... وثالثها: أنها لا تملك لأنفسها ضراً ولا نفعاً، ومن كان كذلك فهو لا يملك لغيره أيضاً نفعاً، ومن كان كذلك فلا فائدة في عبادته "(١).
٢- البقاعي: " ((لا يملكون)) أي: لا يتجدد لهم بوجه من الوجوه أن يملكوا ((لأنفسهم ضراً)) ولذلك قدّمه، ونكّره ليعم. فلما ثبت بذلك أنهم خلقه؛ ولكن كان ربما قال متعنت: إنهم يملكون ذلك ولكنهم يتركونه عمداً؛ لأن أحداً لا يريد ضر نفسه، قال: ((ولا نفعاً)) أي: ولو بالبقاء على حالة واحدة، وعبدتهم يقدرون على ما أراد الله من ذلك على وجه الكسب، فهم أعلى منهم، وعبادة الأعلى لمن دونه ليست من أفعال العقلاء "(٢).
٣- السعدي: " ((ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً)) أي لا قليلاً ولا كثيراً، لأنه نكرة في سياق النفي فتعم "(٣).
٤- سيد قطب: " ((ولا يملكون لأنفسهم)) فضلاً عن أن يملكوا لعبّادهم ((ضراً ولا نفعاً)) والذي لا يملك لنفسه النفع قد يسهل عليه الضر. ولكن حتى هذا لا يملكونه. ومن ثمَّ يقدمه في التعبير بوصفه أيسر شيء كان يملكه أحد لنفسه "(٤).
... أما القول الثالث وهو المبني على رجوع ضمير ((لأنفسهم)) على نفس مرجع الضمير في ((اتخذوا)) فلم أجد مَنْ رجّحه إطلاقاً، وسيأتي الكلام عنه -إن شاء الله- في التعقيب.
تعقيب الباحث:
... يتضح مما سبق أنه لا خلاف جوهري بين الموافقين والمخالفين في بيان معنى الآية، فكل كلامهم يصب في معنى واحد: وهو عدم قدرة الأصنام على النفع والضر، سواء لنفسها أو لمن يعبدها، فيصح إذاً حمل الآية على ما ذكروه من أقوال؛ لأمور:

(١) التفسير الكبير للفخر الرازي (٨/٤٣١).
(٢) نظم الدرر للبقاعي (١٣/٣٣٧).
(٣) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(٥٧٧).
(٤) في ظلال القرآن لسيد قطب (٥/٢٥٥٠).

أما القول بأن (سخرياً) تعني الاستهزاء؛ فلم يقل به أحد من المفسرين بأنه يصح معنى للآية، بل لقد اتفق عدد غير قليل منهم على التصريح بردّه وإبعاد أن يكون له طريق إلى الآية، فقال ابن عطية: " ولا مدخل لمعنى الهزء في هذه الآية "(١)، ومثله قال الثعالبي(٢). وقال أبوحيان " ويبعد أن يكون ((سخريا)) هنا من الهزء "(٣). وقال البقاعي عن الهزء بأنه " لا يليق التعليل به "(٤). وقال الشوكاني ردّاً على القول بأن ((سخريا)) يراد به الاستهزاء: " وهذا وإن كان مطابقاً للمعنى اللغوي، ولكنه بعيد من معنى القرآن ومنافٍ لما هو مقصود السياق "(٥)، ومثله قال القنوجي(٦). أما سيد قطب فقد ردّ معنى الاستهزاء بعبارة أشمل وأوسع، وذلك أن من بواعث الاستهزاء؛ استعلاء طبقة على طبقة، أو فرد على فرد، فقال ردًا على المعنى المرجوح ومرجحاً ما رجحه الجمهور: " وليس التسخير هو الاستعلاء.. استعلاء طبقة على طبقة، أو استعلاء فرد على فرد.. كلا‍! إن هذا معنى قريب ساذج، لا يرتفع إلى مستوى القول الإلهي الخالد. كلا! إن مدلول هذا القول أبقى من كل تغير أو تطور في أوضاع الجماعة البشرية، وأبعد مدى من ظرف يذهب وظرف يجيء.. إن كل البشر مسخر بعضهم لبعض. ودولاب الحياة يدور بالجميع، ويسخر بعضهم لبعض في كل وضع وفي كل ظرف. المقدر عليه في الرزق مسخر للمبسوط له في الرزق. والعكس كذلك صحيح. فهذا مسخر ليجمع المال، فيأكل منه ويرتزق ذاك. وكلاهما مسخر للآخر سواء بسواء. والتفاوت في الرزق هو الذي يسخر هذا لذاك، ويسخر ذاك لهذا في دورة الحياة.. العامل مسخر للمهندس ومسخر لصاحب العمل. والمهندس مسخر للعامل ولصاحب العمل.
(١) المحرر الوجيز لابن عطية (١٣/٢١٨).
(٢) جواهر الحسان للثعالبي (٤/١٢٦).
(٣) البحر المحيط لأبي حيان (٩/٣٧٠).
(٤) نظم الدرر للبقاعي (١٧/٤٢٣).
(٥) فتح القدير للشوكاني (٤/٥٣٢).
(٦) فتح البيان للقنوجي (١٢/٣٥٠).

السعدي، عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالله... ١٤٥
آل سعود، عبدالله بن عبدالرحمن الفيصل... ٦٩
آل سعود، عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل... ٣٩
أبو السعود، محمد بن محمد بن مصطفى... ١٤٤
السمعاني، أبوالمظفر، منصور بن محمد بن عبدالجبار... ٣٢٢
السمين الحلبي، شهاب الدين أحمد بن يوسف... ٢٢٢
سيد قطب... ١٤٦
السيوطي، أبوالفضل، جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر... ٦٠
الشنقيطي، عبدالله بن الشيخ محمد الأمين... ٦٨
الشهاب، أحمد بن محمد بن عمر الخفاجي... ٣٢٩
الشوكاني، محمد بن علي... ١٤٤
آل الشيخ، محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف... ٤٠
آل صالح، عبدالعزيز بن صالح بن ناصر... ٣٧
الضحاك بن مزاحم الهلالي... ٢٢٧
الطبري، أبوجعفر محمد بن جرير... ١٣٨
طنطاوي بن جوهري المصري... ٢٠٧
ابن عاشور، محمد الطاهر بن محمد... ١٤٧
عامر بن الطفيل... ٧٩١
عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق... ٦٩١
عبدالرزاق بن عفيفي بن عطية... ٤٣
عبدالله بن أبي بكر الصديق... ٧٠٠
عبدالله بن الزبعري بن قيس... ٣٠٩
العبكري، أبوالبقاء، عبدالله بن الحسين... ٢٢٢
أبوعبيدة، معمر بن المثنى... ٣٥٦
عثمان بن مظعون بن حبيب... ٦٨٨
ابن العربي، أبوبكر محمد بن عبدالله الأندلسي... ١٤٧
عطاء بن أبي رباح... ٤٤٨
عطية محمد سالم... ٢٨
ابن عطية، أبومحمد، عبدالحق بن غالب... ١٤٠
عكرمة، مولى ابن عباس... ١٤٢
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب... ٤٥٧
عمرو بن شعيب بن محمد بن عبدالله... ١٥٠
عنترة بن شداد العبسي... ٩١٤
الفخر الرازي، محمد بن عمر بن الحسين... ١٦٨
الفراء، أبو زكريا، يحيى بن زياد... ٢٥٩
أبو الفضل، القشيري، بكر بن محمد بن العلاء... ٤٥٧
القاسمي، جمال الدين بن محمد سعيد... ٢٠٦
ابن قتيبة، عبدالله بن مسلم الدينوري... ١٧٧
القرطبي، محمد بن أحمد بن أبي بكر... ١٦٤
القنوجي، محمد صديق خان بن حسن بن علي... ٢١٦
ابن القيم، محمد بن أبي بكر بن أيوب... ١٤٧
كثير ابن، أبوالفداء، إسماعيل بن عمر... ١٤١
لبيد بن ربيعة بن مالك العامري... ٩٠٦
مالك بن أنس المدني، أبوعبدالله... ١٧٩
المجذوب، محمد... ٤٨
المحلي، جلال الدين محمد بن أحمد... ١٦٩


الصفحة التالية
Icon