... يقصد الآيات السابقة، من الآية ٤ إلى الآية ٨، وهي قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (٤) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٥) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (٦) وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (٧) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (٨) ﴾ [سورة الفرقان: ٤-٨].
٨- السعدي، قال: " ((انظر كيف ضربوا لك الأمثال)) وهي: هل كان مَلَكاً، وزالت عنه خصائص البشر؟ أو معه ملك؛ لأنه غير قادر على ما قال، أو أنزل عليه كنز، أو جعلت له جنة تغنيه عن المشي في الأسواق أو أنه كان مسحوراً "(١).
٩- سيد قطب، قال: " ((انظر كيف ضربوا لك الأمثال)) وشبهوك بالمسحورين مرة، واتهموك بالتزوير مرة، ومثلوك برواة الأساطير مرة.. وكله ضلال وبعد عن الحق "(٢).
... وغير هؤلاء من الأئمة قالوا (٣) في معنى الآية أقوالاً لا تخرج عن ما سبق ذكره.
تعقيب الباحث:
(٢) في ظلال القرآن لسيد قطب (٥/٢٥٥٤).
(٣) كالإمام ابن الجوزي في زاد المسير (٦/٥)، والإمام ابن جزي في التسهيل (٣/١٦٢).
الظاهر -والله أعلم- أن يراد بالأزواج هنا في قوله تعالى ((ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون)) زوجات المؤمنين، بشمول اللفظ لزوجاتهم اللاتي كنّ معهم في الدنيا، وزوجاتهم من الحور العين، يدل لذلك أمور:
١- سياق الآيات يدل على شمول النعيم للمؤمنين وأزواجهم دون تحديد لنسائهم المؤمنات في الدنيا أو زوجاتهم من الحور العين، قال تعالى: ﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (٧٠) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ﴾ [سورة الزخرف: ٧٠-٧١].
٢- مما يرجح إرادة الزوجات دون النظراء والأشباه؛ قاعدة: إذا دار الكلام بين التأسيس والتوكيد فحمله على التأسيس أولى(١)، وذلك أن حمل لفظ الأزواج على النظراء والأشباه يكون نوعاً من التوكيد، فإنهم يعتبروا داخلين في الآية التي قبلها وهي قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (٦٩) ﴾ [سورة الزخرف: ٦٩]، فالأوْلى والأبلغ أن تحمل على أن يراد بها الزوجات. قال البقاعي: "... وأما قرناؤهم من الرجال فدخلوا في قوله ((كانوا مسلمين)) "(٢).
(٢) نظم الدرر للبقاعي (١٧/٤٧٨).
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، العلاّمة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي، قدم له: فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العقيل، فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين، تحقيق: عبدالرحمن بن معلاّ اللويحق، طبعة جديدة محققة عن نسخ خطية مع زيادات تطبع لأول مرة، توزيع: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، ١٤٢١هـ-٢٠٠٠م، مؤسسة الرسالة -بيروت.
جامع الأصول في أحاديث الرسول، مجد الدين أبوالسعادات المبارك بن محمد: ابن الأثير الجزري، حققه: عبدالقادر الأرناؤوط، سنة الطبع ١٣٩٢هـ-١٩٧٢م، الناشر: مكتبة الحلواني، مطبعة الملاح - مكتبة دار البيان.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الإمام أبوجعفر محمد بن جرير الطبري، تحقيق: محمود محمد شاكر، توزيع: دار التربية والتراث - مكة المكرمة.
جامع البيان في تفسير القرآن، الإمام الكبير والمحدث الشهير من أطبقت الأمة على تقدمه في التفسير أبوجعفر محمد بن جرير الطبري، الطبعة الثالثة، ١٣٩٨هـ-١٩٧٨م، دار المعرفة - بيروت.
الجامع لأحكام القرآن، الإمام أبوعبدالله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، دار إحياء التراث العربي - بيروت.
جمهرة أنساب العرب، لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، تحقيق: عبدالسلام محمد هارون، طبعة عام ١٣٨٢هـ -١٩٦٢م، دار المعارف بمصر.
جهود الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تقرير عقيدة السلف، عبدالعزيز بن صالح الطويان، الطبعة الأولى ١٤١٩هـ-١٩٩٨م، مكتبة العبيكان - الرياض.
جواهر الحسان في تفسير القرآن (تفسير الثعالبي)، عبدالرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت.
الجواهر في تفسير القرآن الكريم، المشتمل على عجائب وبدائع المكوّنات وغرائب الآيات الباهرات، الشيخ: طنطاوي جوهري، الطبعة الثانية، ١٣٥٠هـ -رقم ١٧١، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر.