... الذي يظهر -والله أعلم- صحة حمل الآية على جميع المعاني الواردة عن المفسرين سواء قالوا ((فلا يستطيعون سبيلاً)) أي طريقاً إلى الحق والصواب أو كان المعنى لا يجدون في أمر الرسول - ﷺ - حيلة يقدحوا بها في نبوته - ﷺ -، فإن سياق الآيات محتمل لها. والله - عز وجل - بعد أن ذكر أن الكفار قالوا تلك الأحوال العجيبة والصفات الغريبة عن النبي - ﷺ -، في قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (٤) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٥) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (٦) وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (٧) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (٨) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (٩) ﴾ [سورة الفرقان: ٤-٩]. ختم الحديث بقوله: ((فلا يستطيعون سبيلا)) أي لن يستطيعوا الوصول إلى طريق الحق والصواب ما داموا على منهجهم ذلك في الكفر، أو لا يستطيعوا أن يجدوا وسيلة يقدحوا بها في نبوة محمد - ﷺ - مهما حالوا واخترعوا. وقاعدة دلالة السياق من القواعد المهمة في تفسير كلام الله - عز وجل - (١).

(١) قواعد التفسير لخالد السبت (١/٢٤٩)، قواعد الترجيح عند المفسرين (١/١٢٥).

أ- يعني لا أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا، فلا أدري ما يفعل بي أخرج كما أخرجت الأنبياء قبلي، أو أقتل كما قتل الأنبياء من قبلي، ولا أدري ما يفعل بكم، إنكم مصدقون أو مكذبون، أو معذبون أو مؤخرون(١).
ب- أنه لما اشتد البلاء بأصحاب رسول الله - ﷺ -، رأى في المنام أنه هاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء، فقصها على أصحابه، فاستبشروا بذلك لما يلقون من أذى المشركين. ثم إنهم مكثوا برهة لا يرون ذلك، فقالوا: يا رسول الله متى تهاجر إلى الأرض التي رأيت؟ فسكت رسول الله - ﷺ -، فأنزل الله تعالى: ((وما أدري ما يفعل بي ولا بكم)) يعني لا أدري، أخرج إلى الموضع الذي رأيته في منامي أم لا؟ ثم قال: " إنما هو شيء رأيته في منامي، وما (أتبع إلا ما يوحى إليّ) "(٢).
جـ- أن المعنى: لا أدري ما أؤمر به ولا ما تؤمرون به(٣).
(١) حكاه الماوردي في النكت والعيون (٥/٢٧٢) عن الحسن البصري.
(٢) زاد المسير لابن الجوزي (٧/١٣٣).
(٣) النكت والعيون للماوردي (٥/٢٧٢).

علماء نجد خلال ستة قرون، الشيخ: عبدالله بن عبدالرحمن بن صالح البسام، الطبعة الأولى، ١٣٩٨هـ، مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة، مكة المكرمة.
علماء ومفكرون عرفتهم، محمد المجذوب، الطبعة الثانية ١٤٠٣هـ-١٩٨٣م، عالم المعرفة - جدة.
علماؤنا، إعداد فعد البدراني وفهد البراك، الطبعة الأولى ١٤١٠هـ - توزيع مؤسسة الجريسي.
غاية النهاية في طبقات القراء، الإمام شمس الدين أبوالخير محمد بن محمد بن محمد بن الجزري، عني بنشره: ج. برجستراسر، الطبعة الثالثة، ١٤٠٢هـ- ١٩٨٢م، دار الكتب العلمية.
غرائب القرآن ورغائب الفرقان، نظام الدين الحسن بن محمد بن الحسين القمي النيسابوري، تحقيق ومراجعة: إبراهيم عطوة عوض، الطبعة الأولى، ١٣٨٩هـ-١٩٦٩م، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر.
غيث النفع في القراءات السبع، علي النوري الصفاقسي، (مطبوع بهامش سراج القارئ المبتدئ وتذكار المقرئ المنتهى) ١٤٠١هـ-١٩٨١م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع وترتيب: أحمد بن عبدالرزاق الدويش، الطبعة الأولى، ١٤١١هـ، طبع ونشر: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ١٤١١هـ.
فتح الباري بشرح صحيح الإمام أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري، للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تصحيح وتحقيق بإشراف الشيخ: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، نشر وتوزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية.
فتح البيان في مقاصد القرآن، العلامة أبي الطيب صديق بن حسن بن علي الحسين القنوجي البخاري، عني بطبعه وقدم له وراجعه خادم العلم: عبدالله بن إبراهيم الإنصاري، طبع على نفقة: إدارة إحياء التراث الإسلامي بدولة قطر، عام ١٤١٠هـ-١٩٨٩م، المكتبة العصرية - بيروت - لبنان.


الصفحة التالية
Icon