والثاني: يسمعون فيها تغيظ المعذبين وزفيرهم "(١).
جـ- ومنهم من ذكر القول الأول والرابع كالإمام المحلي، قال: " ((سمعوا لها تغيظاً)) غلياناً كالغضبان إذا غلى صدره من الغضب. ((وزفيراً)) صوتاً شديداً. أو سماع التغيظ رؤيته وعلمه "(٢).
تعقيب الباحث:
... يظهر لي -والله أعلم- أن الراجح في بيان معنى الآية هو ما ذهب إليه الشنقيطي ومن وافقه، من أن الذي يسمعه الكفار هو صوت النار -والعياذ بالله- وذلك لأمور:
١- سياق الآية يدل عليه، فإن التاء في ((رأتهم)) والهاء في (لها) عائدة على السعير، ولو كان المراد صوت الزبانية لاختلفت الضمائر.
٢- وجود آيات من القرآن الكريم تؤيد القول الراجح وهي الآيات التي في سورة الملك، وقد ذكرت أثناء كلام الشيخ الشنقيطي في ترجيحه.
٣- إجماع المفسرين المتقدمين والمتأخرين على هذا المعنى الراجح.
٤- عدم وجود مرجح لقول آخر، بل ومن ذكر أكثر من قول يبدأ بذكر القول الراجح -لدى الشنقيطي كما سبقت الإشارة إلى ذلك- والله أعلم بالصواب.
- - -
معنى ﴿ tûüدR

چs)-B ﴾

١٧- قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا tûüدR

چs)-B دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (١٣) ﴾ [سورة الفرقان: ١٣].


مجمل الأقوال الواردة في الآية:
١- أن معنى ((مقرنين)): الكفار يقرن -أي يربط- بعضهم إلى بعض في الأصفاد والسلاسل(٣).
٢- أن كل كافر يقرن هو وشيطانه(٤).
٣- أن يكون المعنى: قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال وأرجلهم في السلاسل(٥).
٤- أن ((مقرنين)) معناه: مكتّفين(٦).
ترجيح الشنقيطي:

(١) زاد المسير لابن الجوزي (٦/٦).
(٢) تفسير الجلالين ص(٣٠١).
(٣) المحرر الوجيز لابن عطية (١١/١٢)، أضواء البيان للشنقيطي (٦/٢٩١).
(٤) زاد المسير لابن الجوزي (٦/٦).
(٥) جامع البيان للطبري (١٨/١٤٠)، مدارك التنزيل للنسفي (٣/١٢٣).
(٦) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (١٣/٨)، حكاه عن أبي صالح.

٢- سياق الآيات يستدل به المفسرون(١) على ترجيح أن يراد بالآية ما يكون في دار الدنيا، قال الإمام الطبري: " وإنما قلنا ذلك أولاها بالصواب لأن الخطاب من مبتدأ هذه السورة إلى هذه الآية والخبر خرج من الله - عز وجل - خطاباً للمشركين وخبراً عنهم وتوبيخاً لهم واحتجاجاً من الله تعالى ذكره لنبيه - ﷺ - عليهم، فإذا كان ذلك كذلك فمعلوم أن هذه الآية أيضاً سبيلها سبيل ما قبلها وما بعدها في أنها احتجاج عليهم وتوبيخ لهم أو خبر عنهم، وإذا كان ذلك كذلك فمحال أن يقال للنبي - ﷺ - قل للمشركين ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة وآيات كتاب الله - عز وجل - في تنزيله ووحيه إليه متتابعة بأن المشركين في النار مخلدون، والمؤمنون به في الجنان منعمون، وبذلك يرهبهم مرة ويرغبهم أخرى "(٢).
٣- إلحاقاً للنقطة السابقة، فقد ردّ الإمام النحاس على دعوى النسخ في آية الأحقاف، مرجحاً قول الجمهور، مستدلاً على صحة كلامه بسياق الآيات، قال: " محال أن يكون في هذا ناسخ ولا منسوخ من جهتين:
أحدهما: أنه خبر.
(١) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (١/١٢٥).
(٢) جامع البيان للطبري (٢٦/٦).

مشاهير علماء الأمصار وأعلام فقهاء الأقطار، الحافظ أبي حاتم محمد بن حيان البستي، حققه: مرزوق علي إبراهيم، الطبعة الأولى، ١٤٠٨هـ-١٩٨٧م، مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت.
المصالح المرسلة، العلامة الشيخ: محمد الأمين الشنقيطي، من مطبوعات الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، عام ١٤١٠هـ.
المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير، إعداد جماعة من العلماء بإشراف الشيخ: صفي الرحمن المباركفوري، الطبعة الثانية، ١٤٢١هـ-٢٠٠٠م، دار السلام للنشر والتوزيع - الرياض.
مع المفسرين والمستشرقين في زواج النبي - ﷺ - بزينب بنت جحش - دراسة تحليلية، د. زاهر بن عواض الألمعي، الطبعة الرابعة، ١٤٠٣هـ-١٩٨٣م، مطابع الفرزدق التجارية - الرياض.
معارج الصعود إلى تفسير سورة هود، الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، كتبه عن فضيله المؤلف تلميذه: عبدالله بن أحمد قادري، الطبعة الأولى، ١٤٠٨هـ-١٩٨٨م، دار المجتمع للنشر والتوزيع - جدة.
معاني القرآن الكريم، الإمام أبوجعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس، تحقيق الشيخ محمد علي الصابوني، الطبعة الأولى، ١٤١٠هـ-١٩٨٩م، من مطبوعات جامعة أم القرى.
معاني القرآن وإعرابه، للزجاج؛ أبي إسحاق إبراهيم بن السَّري، شرح وتحقيق: د. عبدالجليل عبده شلبي، الطبعة الأولى ١٤٠٨هـ-١٩٨٨م، عالم الكتب - بيروت.
معاني القرآن، أبوزكريا يحيى بن زياد الفرّاء، الطبعة الثانية ١٩٨٠م، عالم الكتب - بيروت.
معجم البلدان، أبوعبدالله ياقوت بن عبدالله الحموي، طبعة جديدة مصححة ومنقحة، قد لها: محمد عبدالرحمن المرعشلي، الطبعة الأولى، ١٤١٧هـ-١٩٩٧م، دار إحياء التراث العربي - بيروت.
معجم البلدان، الإمام شهاب الدين أبوعبدالله ياقوت بن عبدالله الحموي الرومي البغدادي، تحقيق: فريد عبدالعزيز الجندي، الطبعة الأولى: ١٤١٠هـ-١٩٩٠م، دار الكتب العلمية - بيروت.


الصفحة التالية
Icon