وعن الشعبي رضي الله عنه عن مسروق، عن عبد الله قال: لما نظررسول الله ﷺ إلى القتلى يوم بدر مصرعين قال ﷺ لأبي بكر رضي الله عنه: " لو أن أبا طالب حي لعلم أن أسيافنا قد أخذت بالأنامل " قال: وذلك لقول أبي طالب:

كذبتم وبيت الله إن جد ما أرى لتلتبسن أسيافنا بالأنامل
وينهض قوم في الدروع إليهم نهوض الروايا في طريق حلاحل
ومن المحفوظ في ذلك حديث محمد بن مسلمة الأنصاري، جمعه وابن أبي حدرد الأسلمي الطريق، قال: فتذاكرنا الشكر والمعروف. قال: فقال محمد: كنا يوماً عند النبي ﷺ فقال لحسان بن ثابت: " أنشدني قصيدة من شعر الجاهلية، فإن الله تعالى قد وضع عنا آثامها في شعرها وروايته " :
فأنشده قصيدة للأعشى هجا بها علقمة بن علاثة، من السريع:
علقم ما أنت إلى عامر الناقض الأوتار والواتر
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا حسان لا تعد تنشدني هذه القصيدة بعد مجلسك هذا! فقال: يا رسول الله، تنهاني عن رجل مشرك مقيم عند قيصر! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا حسان أشكر الناس للناس، أشكرهم لله تعالى. وإن قيصر سأل أبا سفيان بن حرب عني فتناول مني وفي خبر آخر فشعث مني وإنه سأل هذا عني فأحسن القول " فشكره رسول الله ﷺ على ذلك.
وروي من وجه آخر أن حسان قال: يا رسول الله من نالتك يده وجب علينا شكره.
ومن المعروف في ذلك خبر عائشة رضوان الله عليها أنها قالت: كان رسول الله ﷺ كثيراً ما يقول: " أبياتك " فأقول، من الكامل:
ارفع ضعيفك لايحر بك ضعفه يوماً فتدركه العواقب قد نمى
يجزيك أو يثني عليك وإن من أثنى عليك بما فعلت فقد جزى
قالت: فيقول عليه السلام: " يقول الله تبارك وتعالى لعبد من عبيده: صنع إليك عبدي معروفاً فهل شكرته عليه؟ فيقول: يا رب علمت أنه منك فشكرتك عليه، قال: فيقول الله عز وجل: لم تشكرني إذ لم تشكر من أجريته على يده ".
وأما علمه عليه السلام بالشعر فكما روي أن سودة أنشدت:
عدي وتيم تبتغي من تحالف
فظنت عائشة وحفصة رضي الله عنهما أنها عرضت بهما، وجرى بينهن كلام في هذ المعنى. فأخبر النبي ﷺ فدخل عليهن وقال: " يا ويلكن! ليس فى عديكن ولا تيمكن قيل هذا. وإنما قيل في عدي تميم وتيم تميم ". وتمام هذا الشعر، وهو لقيس بن معدان الكلبي من بني يربوع، من الطويل:
فحالف ولا والله تهبط تلعة من الأرض إلا أنت للذل عارف
ألا من رأى العبدين أو ذكرا له عدي وتيم تبتغي من تحالف
وروى الزبير بن بكار قال: مر رسول الله ﷺ ومعه أبو بكر رضي الله عنه برجل يقول في بعض أزقة مكة، من الكامل:
يا أيها الجل المحول رحله هلا نزلت بآل عبد الدار؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا أبا بكر أهكذا قال الشاعر؟ " قال: لا يا رسول الله، ولكنه قال، من الكامل:
يا أيها الرجل المحول رحله هلا سألت عن آل عبد مناف
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هكذا كنا نسمعها ".
وأما ارتياحه ﷺ للشعر، واستحسانه له فقد جاء فيه الخبر من وجوه. من ذلك حديث النابغة الجعدي، قال: أنشدت رسول الله ﷺ قولي، ، من الطويل:
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أين المظهر يا أبا ليلى؟ " فقلت: الجنة يا رسول الله. قال: " أجل إن شاء الله ". ثم قال: أنشدني. فأنشدته من قولي، من الطويل:
ولاخير في حلم إذا لم تكن له بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
فقال ﷺ " أجدت لا يفضض الله فاك. قال الرازي: فنظرت إليه فكأن فاه البرد المنهل، ما سقطت له سن ولا انفلت ترف غروبه.


الصفحة التالية
Icon