فقد ترى حسن موقعها، وكيف قبول النفس لها، وليس ذلك ألا لأن الغالب على الناس أنهم لا يحملون أنفسهم على اليأس، ولا يدعون الرجاء والطمع، ولا يعترف كل أحد، ولا يسلم أن الغنى في اليأس. فلما كان كذلك كان الموضع موضع إلى التأكيد، فلذلك كان من حسنها ما ترى. ومثله سواء قول محمد بن وهيب؟ من الطويل:
أجارتنا إن التعفف بالياس | وصبراً على استدرار دنيا بإبساس |
حريان أن لا يقذفا بمذلة | كريماً وأن لا يحوجاه إلى الناس |
أجارتنا إن القداح كواذب | وأكثر أسباب النجاح مع الياس |
ومن لطيف مواقعها أن يدعى على المخاطب ظن لم يظنه، ولكن يراد التهكم به وأن يقال: إن حالك، والذي صنعت يقتضي أن تكون قد ظننت ذلك. ومثال ذلك قول الأول من السريع:
جاء شقيق عارضاً رمحه | إن بني عمك فيهم رماح |
واعلم أنها قد تدخل للدلالة على أن الظن قد كان منك، أيها المتكلم في الذي كان إنه لا يكون. وذلك قولك للشيء: هو بمرأى من المخاطب ومسمع، إنه كان من الأمر ما ترى، وكان مني إلى فلان إحسان ومعروف، ثم إنه جعل جزائي ما رأيت. فتجعلك كأنك ترد على نفسك ظنك الذي ظننت، وتبين الخطأ الذي توهمت. وعلى ذلك والله أعلم قوله تعالى حكاية عن أم مريم رضي الله عنها: " قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت "، وكذلك قوله عز وجل حكاية عن نوح عليه السلام: " قال رب إن قومي كذبون ". وليس الذي يعرض بسبب هذا الحرف من الدقائق والأمور الخفية يدرك بالهوينا ونحن نقتصر الآن على ما ذكرنا، ونأخذ في القول عليها إذا اتصلت بها ما.
مسائل إنما
قال الشيخ أبو علي في الشيرازيات: يقول ناس من النحويين في نحو قوله تعالى: " قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن " : إن المعنى: ما حرم ربي الا الفواحش. قال: وأصبت ما يدل على صحة قولهم في هذا، وهو قول الفرزدق، من الطويل:
أنا الذائد الحامي الذمار، وإنما | يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي |
وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي
المعنى: ما يدافع عن أحسابهم إلا أنا أو مثلي. انتهى كلام أبي علي.