ومما يجدر بالملاحظة أن جمع شتات كلام شيخ الإسلام في الموضوع الواحد أمرًا كان يتمناه هو نفسه، كما أشار أكثر من مرة في مؤلفاته، إضافة إلى صعوبة حصول القارئ على جميع مؤلفات الشيخ.
وأكثر من كتب في علوم القرآن والتفسير لم يستفد كثيرًا من كلام شيخ الإسلام؛ للأسباب المذكورة آنفًا.
وفقدان كلام الشيخ بين تلك العلوم نقص فيها.
فبصماته في كل العلوم واضحة للعيان.
وآثاره متميزة، والمحروم من حُرم قراءة ما كتبه.
ولعل سبب بُعد الكثير عن علوم شيخ الإسلام التشويه والتنفير من هذا الإمام في القرون السابقة.
والأمة الإسلامية في نهضتها بعد سقوط الخلافة الإسلامية استطاعت أن تعيد لشيخ الإسلام مكانته الحقيقية، فكان لهذا الأمر خير وفير ونعمة سابغة، ولا أبالغ إن قلت: إن بوادر الصحوة المباركة مدينة لهذا الإمام الجليل، هذا ما يسَّر الله لي جمعه، فإن أحسنت فبتوفيق ربي، وإن كان غير ذلك فمن نفسي والشيطان، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
١- ابن جرير الطبري
ولد أبو جعفر محمد بن جرير بن زيدون بن كثير الطبري في آمل طبرستان أواخر سنة (٢٢٤)، أو أوائل سنة (٢٢٥). رحل إلى بغداد بعد سنة (٢٤٠)، وكان في نفسه أن يسمع من إمام الأئمة أحمد بن حنبل، ولكنه لم يوفق لرؤية الإمام؛ فدخل بغداد بُعَيْدَ وفاته بقليل. ثم انحدر إلى البصرة، وسمع من شيوخها، وكتب في طريقه عن شيوخه الواسطيين، ثم رحل إلى الكوفة، فكتب فيها عن أبي كريب محمد بن العلاء الهمداني، هناد بن السري، وأضرابهم. وعاد إلى بغداد وتفقه بها على مذهب الإمام الشافعي، ومكث فيها طويلًا حتى وفاته، فيما عدا مدة رحل منها إلى بعض البلدان، من بينها رحلة إلى مصر والشام بين (٢٥٣ – ٢٥٦)، وعودة قصيرة إلى طبرستان سنة (٢٩٠).