وجه الارتباط بالآيات السابقة
ذكرت أحكام الحج بعد ذكر أحكام الصيام، لأن شهوره تأتي مباشرة بعد شهر الصيام، وأما آيات القتال السابقة فقد نزلت في بيان أحكام الأشهر الحرم، والإحرام، والمسجد الحرام، ولما كان عليه السلام قد أراد العمرة وصدّه المشركون أول مرة بالحديبية، وأراد القضاء في العام القابل، وخاف أصحابه غدر المشركين بهم أنزل الله أحكام القتال، ثم عاد الكلام إلى إتمام أحكام الحج فهذا هو وجه الارتباط والله تعالى أعلم.
سبب النزول
أولاً : عن كعب بن عُجرة رضي الله عنه قال :« حُملتُ إلى النبي ﷺ والقمل يتناثر على وجهي، فقال : ما كنتُ أرى أن الجهد بلغ بك هذا!! أما تجد شاة؟ قلت : لا، قال : صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، لكل مساكين نصف صاع من طعام واحلق رأسك » فنزلت ﴿ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ ﴾ قال فنزلت فيّ خاصة وهي لكم عامة.
ثانياً : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :( كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودن، ويقولون : نحو المتوكلون فيسألون الناس، فأنزل الله تعالى ﴿ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزاد التقوى ﴾.
ثالثاً : عن عائشة رضي الله عنها قالت :« كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمون الحس، وسائر العرب يقفون بعرفات، » فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه أن يأتي عرفات ثم يقف بها يفيض منها فذلك قوله :﴿ ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ الناس ﴾.
وفي رواية كانوا يقولون :« نحن أهل الله وقطّان حرمه فلا نخرج منه ولا نفيض إلا من الحرم ».
وجوه القراءات
١ - قرأ الجمهور ( أو نُسُكٍ ) بضم النون والسين، وقرأ الحسن ( أو نُسْكٍ ) بسكون السين.
٢ - قرأ الجمهور ( فلا رفثَ ولا فسوقَ ولا جدال في الحج ) بالفتح في الجميع، وقرأ أبو جعفر وابن كثير بالرفع في الجميع ( فلا رفثٌ ولا فسوقٌ ولا جدالٌ في الحج ).
وجوه الإعراب
١ - قوله تعالى :﴿ فَمَا استيسر مِنَ الهدي ﴾ قال الزمخشري : رفع بالابتداء أي فعليه ما استيسر، أو نصب على تقدير : فاهدوا ما استيسر.
٢ - قوله تعالى :﴿ الحج أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ﴾ ( الحج ) مبتدأ و ( أشهرٌ ) الخبر، والتقدير : أشهر الحج أشهر معلومات كقولهم : البرد شهران أي وقت البرد شهران.
أقول : إنما قدّر العلماء ذلك لأنه من المعلوم أن الحج ليس نفس الأشهر.
٣ - قوله تعالى :﴿ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ ﴾ ( لا ) نافية للجنس ( رفث ) اسمها و ( في الحج ) الخبر و ( لا ) مكررة للتوكيد في المعنى وهو خبر يفيد النهي أي لا ترفثوا ولا تفسقوا.
٤ - قوله تعالى :﴿ واذكروه كَمَا هداكم ﴾ الكاف نعت لمصدر محذوف و ( ما ) مصدرية والتقدير اذكروه ذكراً حسناً كما هداكم هدايةً حسنة، ويجوز أن تكون الكاف بمعنى ( على ) والتقدير : اذكروا الله على ما هداكم، وقوله تعالى ﴿ وَإِن كُنْتُمْ ﴾ إنْ مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة.


الصفحة التالية
Icon