لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : الهديُ يطلق على الحيوان الذي يسوقه الحاج أو المعتمر هديّة لأهل الحرم من غير سببٍ موجب، وهذا ليس مراداً هنا، ويطلق على ما وجب على الحاج أو المعتمر بسبب موجب كترك واجب أو فعل شيء محظوراً، أو كالإحصار والتمتع وهذا هو المراد في الآية الكريمة.
اللطيفة الثانية : المراد بإتمام الحج والعمرة الإتيان بهما تامين كاملين بمناسكهما وشرائطهما ظاهراً بأداء المناسك على وجهها، وباطناً بالإخلاص لله تعالى من غير رياءٍ ولا سمعة قال الشاعر :

إذا حججتَ بمال أصله سُحُتٌ فما حججتَ ولكنْ حجّت العير
لا يقبل الله إلا كل خالصةٍ ما كلّ من حج بيت الله مبرور
اللطيفة الثالثة : في قوله تعالى :﴿ أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ ﴾ فيه مجاز بالحذف تقديره : فحلق ففدية من صيام، فحذف « فحلق » اختصاراً، فهو مثل قوله تعالى في آية الصيام ﴿ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [ البقرة : ١٨٤ ] حذف كلمة ( فأفطر ) اختصاراً لدلالة اللفظ عليه.
اللطيفة الرابعة : التوكيد طريقة مشهورة في كل العرب فقوله تعالى :﴿ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ﴾ جاء على طريقهم في التوكيد، مثل قوله :﴿ ولكن تعمى القلوب التي فِي الصدور ﴾ [ الحج : ٤٦ ] وقوله :﴿ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ ﴾ [ الأنعام : ٣٨ ] وقوله :﴿ ذلكم قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ ﴾ [ الأحزاب : ٤ ] وفيه فائدة دفع التوهم إذ أن بعض العرب يستعملون عدد السبعة للكثرة في الآحاد، كما يستعملون عدد السبعين لغاية الكثرة، فلئلا يتوهم السامع ذلك قال ( عشرة كاملة ) فتنبه له.
اللطيفة الخامسة : قوله تعالى :﴿ ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ الناس ﴾ كانت قريش لا تخرج من الحرم وتقول : لسنا كسائر الناس، نحن أهل الله وقطّان حرمه فلا نخرج منه، وكان الناس يقفون خارج الحرم ويُفيضون منه فأمرهم الله أن يقفوا حيث يقف الناس، ويفيضوا من حيث أفاض الناس، أفاده ابن قتيبة.
اللطيفة السادسة : من بلاغة الإيجاز في الآية التصريح في مقام الإضمار، بذكر الحج ثلاث مرات في قوله تعالى :﴿ الحج أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحج فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحج ﴾ فالمراد بالأول زمان الحج، وبالثاني الحج نفسه المسمّى بالنسك، وبالثالث ما يعم الزمان والمكان وهو ( الحرم ) ولو قال : فمن فرضه فيهن فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فيه، لم يؤدّ هذه المعاني كلها، وجاء بصيغة النفي لأنه أبلغ في النهي.
قال أبو السعود :« وإيثار النفي للمبالغة في النهي، والدلالة على أن ذلك حقيق بألاّ يكون ».
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : هل العمرة واجبة كالحج؟
اختلف الفقهاء في حكم العمرة، فذهب الشافعية والحنابلة إلى أنها واجبة كالحج، وهو مروي عن ( علي ) و ( ابن عمر ) و ( ابن عباس ).
وذهب المالكية والحنفية إلى أنها سنة، وهو مروي عن ( ابن مسعود ) و ( جابر بن عبد الله ).


الصفحة التالية
Icon