قال الإمام الفخر :« ومنشأ الخلاف البحث في تفسير هذه الآية، فقال الشافعي : المحِلّ في هذه الآية اسم للزمان الذي يحصل فيه التحلل، وقال أبو حنيفة : إنه اسم للمكان ».
الترجيح : والراجح رأي الجمهور اقتداءً برسول الله ﷺ حيث أحصر بالحديبية ونحر بها وهي ليست من الحرم، فدلّ على أن المحصر ينحر حيث يحل في حرمٍ أو حل، وأما قوله تعالى :﴿ هَدْياً بَالِغَ الكعبة ﴾ [ المائدة : ٩٥ ] وقوله :﴿ ثُمَّ مَحِلُّهَآ إلى البيت العتيق ﴾ [ الحج : ٣٣ ] فذلك - كما يقول الشوكاني - في الآمن الذي يمكنه الوصول إلى البيت، والله تعالى أعلم.
الحكم الرابع : ما هو حكم المتمتع الذي لا يجد الهدي؟
دل قوله تعالى :﴿ فَمَن تَمَتَّعَ بالعمرة إِلَى الحج فَمَا استيسر مِنَ الهدي ﴾ على وجوب دم الهدي على المتمتع، فإذا لم يجد الدم - إما لعدم المال، أو لعدم الحيوان - صام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة أيام إذا رجع إلى أهله.
وقد اختلف الفقهاء في هذا الصيام في قوله تعالى :﴿ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحج... ﴾ الآية.
فقال أبو حنيفة : المراد في أشهر الحج وهو ما بين الإحرامين ( إحرام العمرة ) و ( إحرام الحج ) فإذا انتهى من عمرته حلّ له الصيام وإن لم يحرم بعد بالحج، والأفضل أن يصوم يوم التروية، ويوم عرفة، ويوماً قبلهما يعني ( السابع، والثامن، والتاسع ) من ذي الحجة.
وقال الشافعي : لا يصح صومه إلا بعد الإحرام في الحج لقوله تعالى :﴿ فِي الحج ﴾ وهي من عند شروعه في الإحرام إلى يوم النحر، والأصح أنها لا تجوز يوم النحر، ولا أيام التشريق، والمستحب أن تكون في العشر من ذي الحجة قبل يوم عرفة.
ويرى بعض العلماء أن من لم يصم هذه الأيام قبل العيد، فله أن يصومها في أيام التشريق، لقول عائشة وابن عمر رضي الله عنهما « لم يرخص في أيام التشريق أن يُصَمْن إلا لمن لا يجد الهدي ».
ومنشأ الخلاف بين ( الحنفية ) و ( الشافعية ) هو اختلافهم في تفسير قوله تعالى :﴿ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحج ﴾ فالحنفية قالوا في أشهر الحج، والشافعية قالوا : في إحرام الحج، وبكلٍ قال بعض الصحابة والتابعين.
وأما السبعة أيام فقد اختلف الفقهاء في وقت صيامها.
فقال الشافعية : وقت صيامها الرجوع إلى الأهل والوطن لقوله تعالى :﴿ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ﴾.
وقال أحمد بن حنبل : يجزيه أن يصوم في الطريق ولا يشترط أن يصل إلى أهله ووطنه.
وقال أبو حنيفة : المراد من الرجوع الفراغ من أعمال الحج وهو مذهب مالك رحمه الله.
قال الشوكاني : والأول أرجح فقد ثبت في « الصحيح » من حديث ابن عمر أنه ﷺ قال :« فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله ».