يسألك أصحابك - يا محمد - عن القتال في الشهر الحرام، أيحل لهم القتال فيه؟ قل لهم : القتال في نفسه أمر كبير، ولكن صدّ المشركين عن سبيل الله، وعن المسجد الحرام، وكفرهم بالله، وإخراجكم من البلد الحرام وأنتم أهله وحماته، كلُّ ذلك أكبرُ جرماً وذنباً عند الله من قتل من قتلتم من المشركين، وقد كانوا يفتنونكم عن دينكم فذلك أكبر عند الله من القتل، فإن كنتم قتلتموهم في الشهر الحرام، فقد ارتكبوا ما هو أشنع وأقبح من ذلك، حيث فتنوكم عن دينكم، والفتنة أكبر من القتل.
ثمّ أخبر تعالى بأن المشركين لا يزالون جاهدين في فتنة المؤمنين، حتى يردوهم عن دينهم إن قدروا على ذلك، فهم غير نازعين عن كفرهم وإجرامهم، ومن يستجب لهم منكم فيرجع عن دينه، فقد بطل عمله وذهب ثوابه، وأصبح من المخلدين في نار جهنم، لأنه استجاب لداعي الضلال.
ثم أخبر تعالى أن المؤمنين الذين هاجروا مع رسول الله، وبذلوا جهدهم في مقاومة الكفار أعداء الله هم الذين يرجون رحمة الله وإحسانه، وهم جديرون بهذا الفضل والعطاء لأنهم استفرغوا ما في وسعهم، وبذلوا غاية جهدهم في مرضاة الله، فحُقَّ لهم أن ينالوا الفوز والفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة.
روى ابن عباس أن النبي ﷺ بعث ( عبد الله بن جحش ) على سرية في جمادى الآخرة، قبل قتال بدر بشهرين، ليترصدوا عيراً لقريش فيها ( عمرو بن عبد الله الحضرمي ) وثلاثة معه، فقتلوه وأسروا اثنين واستاقوا العير بما فيها من تجارة الطائف، وكان ذلك أول يوم من رجب وهم يظنونه من جمادى الآخرة، فقالت قريش : قد استحلّ محمد الشهر الحرام، شهراً يأمن فيه الخائف، ويتفرق فيه الناس إلى معايشهم، فوقف رسول الله ﷺ العير، وعظم ذلك على أصحاب السرية وقالوا : ما نبرح حتى تنزل توبتنا فنزل قوله تعالى :﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشهر الحرام قِتَالٍ فِيهِ ﴾ قال ابن عباس : لما نزلت أخذ رسول الله ﷺ الغنيمة.
وجوه الإعراب
١ - قوله تعالى :﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشهر الحرام قِتَالٍ فِيهِ ﴾ قتالٍ : بدل من الشهر الحرام بدل اشتمال والمعنى : يسألونك عن القتال في الشهر الحرام، وقال الكسائي : هو مخفوض على التكرير أي عن قتال فيه.
٢ - قوله تعالى :﴿ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ الله ﴾ صدّ : مبتدأ و ( عن سبيل الله ) متعلق به ( وكفر ) معطوف عن صدّ ( وإخراج أهله ) معطوف أيضاً، وخبر الأسماء الثلاثة ( أكبر ).
قال الزمخشري :( والمسجد الحرامِ ) عطف على ( سبيل الله ) ولا يجوز أن يعطف على الهاء في ( به ).
٣ - قوله تعالى :﴿ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ ﴾ مَنْ : شرطية مبتدأ والخبر هو جملة ﴿ فأولائك حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ﴾.


الصفحة التالية
Icon