لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : كلمة ( عسى ) توهم الشك في أصلها مثل ( لعلّ ) وهي من الله يقين، قال الخليل :« عسى » من الله واجب في القرآن قال :﴿ فَعَسَى الله أَن يَأْتِيَ بالفتح ﴾ [ المائدة : ٥٢ ] وقد وُجد، و ﴿ عَسَى الله أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً ﴾ [ يوسف : ٨٣ ] وقد حصل.
اللطيفة الثانية : قال الحسن : لا تكرهوا الشدائد والملمات، فربّ أمر تكرهه فيه نجاتك، وربّ أمرٍ تحبه فيه عطبك، وأنشد أبو سعيد الضرير :
ربّ أمرٍ تتّقيه... جرّ أمراً ترتضيه
خفي المحبوب منه... وبدا المكروه فيه
اللطيفة الثالثة : قوله تعالى :﴿ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ﴾ أي مكروه لكم بالطبع، لأنه شاق وثقيل على النفس، وهذه الكراهة الطبيعية لا تنافي الرضا بحكم الله وقضائه كالمريض يشرب الدواء المر البشع الذي تعافه نفسه، لاعتقاده بما فيه من النفع في العاقبة، وإنما وضع المصدر في الآية موضع الوصف مبالغة كقوله الخنساء :
فإنما هي إقبال وإدبار
اللطيفة الرابعة : استعظم المشركون القتل في الشهر الحرام، مع أنهم فعلوا ما هو أفظع وأشنع، من الصد عن دين الله، والفتنة للمؤمنين، وفيهم يقول بعض الشعراء :
تعدون قتلاً في الحرام عظيمة... وأعظم منه لو يرى الرشدَ راشدُ
صدودكُمُ عمّا يقولُ محمدٌ... وكفرٌ به واللهُ راءٍ وشاهد
وإخراجكم من مسجد الله أهلَه... لئلا يُرى لله في البيت ساجدُ
فإنّا وإن عيرتمونا بقتله... وأرجف بالإسلام باغٍ وحاسد
سقينا من ابن الحضرمي رماحنا... بنخلةَ لمّا أوقد الحربَ واقد
اللطيفة الخامسة : قال الزمخشري : في قوله تعالى :﴿ إِن اسْتَطَاعُواْ ﴾ استبعاد لاستطاعتهم كقول الرجل لعدوه : إن ظفرتَ بي فلا تبق عليّ، وهو واثق لا يظفر به.
اللطيفة السادسة : التعبير بقوله تعالى :﴿ أولائك يَرْجُونَ رَحْمَتَ الله ﴾ فيه لطيفة وهي ألا يتكل الإنسان على عمله، بل يعتمد على فضل الله كما جاء في الحديث الشريف :« لن يُدخلَ أحدَكُم عملُه الجنة، قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا إلاّ أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ».
وعن قتادة رضي الله عنه :« هؤلاء خيار هذه الأمة، ثم جعلهم الله أهل رجاء كما تسمعون، وإنه من رجا طلب، ومن خاف هرب ».
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : هل يباح القتال في الأشهر الحرم؟
دلت هذه الآية على حرمة القتال في الشهر الحرام، وقد اختلف المفسرون هل بقيت الحرمة أم نسخت؟
فذهب عطاء إلى أن هذه الآية لم تنسخ، وكان يحلف على ذلك، كما قال ابن جرير : حلف لي عطاء بالله أنه لا يحل للناس الغزو في الحرم، ولا في الأشهر الحرم، إلا على سبيل الدفع.
وذهب الجمهور إلى أن الآية منسوخة، نسختها آية براءة ﴿ فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ﴾ [ التوبة : ٥ ] وقوله تعالى :﴿ وَقَاتِلُواْ المشركين كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً ﴾ [ التوبة : ٣٦ ] سئل ( سعيد بن المسيب ) هل يصلح للمسلمين أن يقاتلوا الكفار في الشهر الحرام؟ قال : نعم.