حجة الجمهور أن النبي ﷺ غزا ( هوازن ) بحنين، و ( ثقيفاً ) بالطائف، وأرسل ( أبا عامر ) إلى أوطاس ليحارب من فيها من المشركين، وكان ذلك في بعض الأشهر الحرم، ولو كان القتال فيهن حراماً لما فعله النبي عليه السلام.
قال ابن العربي :« والصحيح أن هذه الآية رد على المشركين حين أعظموا على النبي ﷺ القتال في الشهر الحرام، فقال تعالى :﴿ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ الله وَكُفْرٌ بِهِ.. ﴾ فإذا فعلتم ذلك كله في الشهر الحرام تعيّن قتالكم فيه ».
الحكم الثاني : هل الردة تحبط العمل وتذهب بحسنات الإنسان؟
دل قوله تعالى :﴿ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فأولائك حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ﴾ على أن الردة تُحبط العملَ، وتُضيع ثواب الأعمال الصالحة، وقد اختلف العلماء في المرتد هل يحبط عمله بنفس الردة، أم بالوفاة على الكفر؟
فذهب مالك وأبو حنيفة إلى أن العمل يحبط بنفس الردّة.
وقال الشافعي رحمه الله : لا يبطل العمل إلا بالموت على الكفر.
حجة الشافعي قوله تعالى :﴿ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ ﴾ فقد قيّده بالموت على الكفر، فإذا أسلم بعد الردة لم يثبت شيء من الأحكام، لا حبوط العمل، ولا الخلود في النار.
وحجة مالك وأبي حنيفة قوله تعالى :﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ﴾ [ الزمر : ٦٥ ] وقوله ﴿ وَمَن يَكْفُرْ بالإيمان فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ﴾ [ المائدة : ٥ ] فقد دلت الآيتان على أن الكفر محبط للعمل بدون تقييد بالوفاة على الكفر.
وقد انبنى على ذلك خلافهم في المسلم إذا حجّ ثم ارتد ثم أسلم.
فقال مالك وأبو حنيفة يلزمه إعادة الحج، لأن ردته أحبطت حجه.
وقال الشافعي : لا حج عليه لأن حجة قد سبق، والردة لا تحبطه إلا إذا مات على كفره.
قال ابن العربي في تفسيره « أحكام القرآن » :« واستظهر علماؤنا بقول الله تعالى :﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ﴾ [ الزمر : ٦٥ ] وقالوا : هو خطاب للنبي ﷺ والمراد به أمته، لأنه ﷺ يستحيل منه الردة، وإنما ذكر الموافاة، شرطاً هاهنا لأنه علّق عليها الخلود في النار جزاءً ممن وافى كافراً خلّده في النار بهذه الآية، ومن أشرك حبط عمله بالآية الأخرى، فهما آيتان مفيدتان لمعنيين مختلفين، وحكمين متغايرين ».
أقول : ظواهر النصوص تشير إلى إحباط العمل بالردّة مطلقاً، فالراجح قول المالكية والحنفية والله أعلم.
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
١ - القتال مكروه للنفوس ولكنه سبيل لنصرة الحق وإعزاز الدين.
٢ - لا ينبغي للمؤمن أن يتقاعس عن الجهاد لأن فيه النصر أو الشهادة.
٣ - الصد عن دين الله، والكفر بآيات الله أعظم إثماً من القتال في الشهر الحرام.
٤ - الهدف من قتال المشركين للمسلمين ردهم إلى الكفر بشتى الطرق والوسائل.
٥ - الردة عن الإسلام تحبط العمل وتخلد الإنسان في نار جهنم.


الصفحة التالية
Icon