[ ١٢ ] تحريم الخمر والميسر
التحليل اللفظي
﴿ الخمر ﴾ : المسكر من عصير العنب وغيره، وهي مأخوذة من خَمَر الشيء إذا ستره وغطاه، سميت خمراً لأنها تستر العقل وتغطيه، ومنه قولهم : خمّرتُ الإناء أي غطيته.
قال الزجاج : الخمر في اللغة : ما ستر على العقل، يقال : دخل فلان في خمار الناس أي في الكثير الذي يستتر فيهم، وخمار المرأة قناعها، سمي خماراً لأنه يغطي رأسها.
وقال ابن الأنباري :« سميت خمراً لأنها تخامر العقل أي تخالطه، يقال خامره الداء إذا خالطه، وأنشد لكثير :
هنيئاً مريئاً غير داءٍ مخامر »... ﴿ والميسر ﴾ : القمار، من اليسر وهو السهولة، لأنه كسب من غير كدّ ولا تعب، أو من اليسار ( الغنى ) لأنه سبب يساره.
قال الأزهري : الميسر : الجزور الذي كانوا يتقامرون عليه، سمي ميسراً لأنه يجزأ أجزاءً، وكل شيء جزّأته فقد يَسَرْته.
وفي « الصحاح » : ويَسر القوم الجزور إذا اقتسموا أعضاءها.
والياسر : الذي يلي قسمة الجزور.
﴿ إِثْمٌ ﴾ : الإثم : الذنب وجمعه آثام، يقال : آثم وأثِم، والآثم المتحمل الإثم قال تعالى :﴿ فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ﴾ [ البقرة : ٢٨٣ ] أفاده الراغب.
وتسمى الخمر ب ( لإثم ) لأنّ شربها سبب في الإثم قال الشاعر :
شربتُ الإثم حتى ضلّ عقلي | كذاك الإثم تذهب بالعقول |
قال القفال : العفو سهُل وتيسُر مما يكون فاضلاً عن الكفاية، يقال : خذ ما عفا لك أي ما تيسّر.
والمعنى : انفقوا ما فضل عن حوائجكم ولم تُجهدوا فيه أنفسكم.
﴿ لأَعْنَتَكُمْ ﴾ : أي أوقعكم في الحرج والمشقة، وأصل العنت : المشقة، يقال : أعنت فلانٌ فلاناً إذا أوقعة فيما لا يستطيع الخروج منه، وعَنت العظم : إذا انكسر بعد الجبر، وأكمةٌ عنوت : إذا كانت شاقة كدوداً، ومنه قوله تعالى :﴿ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ﴾ [ التوبة : ١٢٨ ] أي شديد عليه ما شق عليكم.
قال الزجاج : ومعنى قوله تعالى :﴿ وَلَوْ شَآءَ الله لأَعْنَتَكُمْ ﴾ أي لو شاء لكلفكم ما يشتد عليكم.
﴿ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ :﴿ عَزِيزٌ ﴾ أي لا يمتنع عليه شيء، لأنه غالب لا يغالب ﴿ حَكِيمٌ ﴾ أي يتصرف في ملكه كيف يشاء حسب ما تقتضيه الحكمة والمصلحة.
المعنى الإجمالي
يقول الله جل ثناؤه ما معناه : يسألك أصحابك يا محمد عن حكم تناول الخمر، وعن حكم الميسر ( القمار ) قل لهم : إن في مقارفة الخمر والميسر إثماً كبيراً، وضرراً عظيماً، وفيهما نفع مادي ضئيل، وضررهما أعظم وأكبر من نفعهما، فإن ضياع العقل، وذهاب المال، وتعريض الجسد للتلف في الخمر، وما يجرُّه القمار من خراب البيوت، ودمار الأسر، والصدّ عن عبادة الله وطاعته، وحدوث العداوة والبغضاء بين اللاعبين، كل ذلك إذا قيس إلى النفع المادي التافه، ظهر الضرر الكبير الفادح في هاتين الموبقتين الخبيثتين. ويسألونك ماذا ينفقون من أموالهم، وماذا يتركون؟ قل لهم : أنفقوا الفضل والزيادة بقدر ما يسهل ويتيسر عليكم، مما يكون فاضلاً عن حاجتكم، وحاجة من تعولون، كذلك قضت حكمة الله أن يبيّن لكم المنافع والمضار، وأن يرشدكم إلى ما فيه خيركم وسعادتكم لتتفكروا في أمر الدنيا والآخرة، فتعلموا أن الأولى فانية، وأن الآخرة باقية، فتعملوا لها، والعاقل من آثر ما يبقى على ما يفنى.