ويسألونك - يا محمد - عن معاملة اليتامى، أيخاطونهم أم يعتزلونهم، قل لهم : قصد إصلاح أموالهم خير من اعتزالهم، وإن خالطتموهم فهم إخوانكم في الدين، والأخ ينبغي أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، والله رقيب مطّلع عليكم يعلم المفسد منكم من المصلح، فلا تجعلوا مخالطتكم إياهم ذريعة إلى أكل أموالهم، ولو شاء الله لأوقعكم في الحرج والمشقة، ولكنه يسّر عليكم وسهّل الدين رحمة ورأفة بكم، وهو العزيز الذي لا يمتنع عليه شيء، الحكيم فيما يشرّع لعباده من الأحكام.
سبب النزول
أولاً : روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن عمر بن الخطاب أنه قال : اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً، فإنها تذهب بالمال والعقل، فنزلت هذه الآية ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر ﴾ فُدعي عمر فقرئت عليه فقال : اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت الآية في سورة النساء [ ٤٣ ] ﴿ يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصلاوة وَأَنْتُمْ سكارى ﴾ فكان منادي رسول الله ﷺ إذا أقام الصلاة نادى : أن لا يقربنّ الصلاة سكران، فدعي عمر فقرئت عليه فقال : اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت في المائدة، فدعي عمر فقرئت عليه فلما بلغ ﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ ﴾ [ المائدة : ٩١ ] قال عمر : انتهينا، انتهينا.
ثانياً : وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : لما نزلت ﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [ الأنعام : ١٥٢ ] ونزل ﴿ إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليتامى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ﴾ [ النساء : ١٠ ] انطلق من كان عنده يتيم، فعزل طعامه من طعامه، وشرابه من شرابه، فجعل يفضل الشيء من طعامه، فيُحبس له حتى يأكله أو يفسد، فاشتدّ ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله ﷺ فأنزل الله تعالى ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ اليتامى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٢٠ ] فخلطوا طعامهم بطعامهم، وشرابهم بشرابهم.
وجوه القراءات
١ - قرأ الجمهور ( قل فيهما إثم كبير ) بالباء، وقرأ حمزة والكسائي ( كثير ) بالثاء.
قال الطبري : ولو كان الذي وصف به من ذلك الكثرة لقيل : وإثمهما أكثر من نفعهما.
٢ - قرأ الجمهور ( قل العفوَ ) بالنصب، وقرأ أبو عمرو ( قل العفوُ ) بالرفع. ويكون معنى الكلام حينئذٍ : ما الذي؟ ينفقون قل : المنفقُ العفوُ.
وجوه الإعراب
١ - قوله تعالى :﴿ كذلك يُبيِّنُ الله ﴾ قال ابن الأنباري : الكاف في ( كذلك ) إشارة إلى ما بيّن من الإنفاق، فكأنه قال : مثل ذلك الذي بينه لكم في الإنفاق يبيّن الآيات، ويجوز أن يكون « كذلك » ليس إشارة إلى ما قبله بل بمعنى « هكذا » قاله ابن عباس.