وقال العكبري : الكاف في ( كذلك ) في موضع نصب نعت لمصدر محذوف أي تبييناً مثل هذا التبيين يبيّن الله لكم، وقوله ( في الدنيا والآخرة ) متعلقة ب ( تتفكرون ) ويجوز أن تتعلق ب ( تبيّن ) والمعنى : يبيّن لكم الآيات في أمر الدنيا والآخرة.
٢ - قوله تعالى :﴿ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ﴾ ( إصلاح ) مبتدأ، و ( خير ) خبره، وجاز الابتداء بالنكرة هنا لأنها في معنى الفعل تقديره : أصلحوهم.
٣ - قوله تعالى :﴿ فَإِخْوَانُكُمْ ﴾ مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره : هم إخوانكم.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى :« أنزل الله تعالى في الخمر أربع آيات، نزل بمكة قوله تعالى :﴿ وَمِن ثَمَرَاتِ النخيل والأعناب تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً ﴾ [ النحل : ٦٧ ] فكان المسلمون يشربونها في أول الإسلام وهي لهم حلال، ثم نزل بالمدينة قوله تعالى :﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ ومنافع لِلنَّاسِ ﴾ فتركها قوم لقوله :﴿ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ ﴾ وشربها قوم لقوله :﴿ ومنافع لِلنَّاسِ ﴾ ثم إن ( عبد الرحمن بن عوف ) صنع طعاماً ودعا إليه ناساً من أصحاب رسول الله ﷺ فأطعمهم وسقاهم الخمر، وحضرت صلاة المغرب فقدموا أحدهم ليصلي بهم فقرأ ( قل يا أيها الكافرون. أعبد ما تعبدون ) بحذف ( لا ) فنزل قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصلاوة وَأَنْتُمْ سكارى حتى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ ﴾ [ النساء : ٤٣ ] فحرّم الله السكر في أوقات الصلاة، فكان الرجل يشربها بعد صلاة العشاء فيصبح وقد زال سكره، ثم إن ( عتبان بن مالك ) صنع طعاماً ودعا إليه رجالاً من المسلمين فيهم ( سعد بن أبي وقاص ) وكان قد شوى لهم رأس بعير، فأكلوا وشربوا الخمر حتى أخذت منهم، فافتخروا عند ذلك وتناشدوا الأشعار، فأنشد بعضهم قصيدة فيها فخر قومه وهجاء الأنصار، فأخذ رجل من الأنصار لحي بعير فضرب به رأس ( سعد ) فشجه، فانطلق سعد إلى رسول الله ﷺ وشكا إليه الأنصاري فأنزل الله ﴿ إِنَّمَا الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رِجْسٌ... ﴾ إلى قوله :﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ ﴾ [ المائدة : ٩٠-٩١ ] ؟ فقال عمر : انتهينا ربنا انتهينا ».
اللطيفة الثانية : في تحريم الخمر بهذا الترتيب حكمة بليغة، وذلك أن القوم ألفوا شرب الخمر، وأصبحت جزءاً من حياتهم، فلو حرّمت عليهم دفعة واحدة لشق ذلك على نفوسهم وربما لم يستجيبوا لذلك النهي، كما تقول السيدة عائشة رضي الله عنها « أول ما نزل من القرآن سورة من المفصّل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلالُ والحرام، ولو نزل أول ما نزل : لا تشربوا الخمر لقالوا : لا ندع الخمرة أبداً ».