دع الخمر تشربْها الغواة فإنني رأيت أخاها مغنياً بمكانها
فإن لا تكنْه أو يكنْها فإنه أخوها غذته أمه بلبانها
وأما السنة : فما روي عن أبي سعيد الخدري قال :« أُتي النبي ﷺ بنشوان فقال له : أشربت خمراً؟ قال : ما شربتها منذ حرّمها الله ورسوله، قال : فماذا شربت؟ قال : الخليطين، قال : فحرّم رسول الله ﷺ الخليطين ».
فنفى الشارب اسم الخمر عن ( الخليطين ) بحضرة النبي ﷺ ولم ينكره عليه.
حجة الجمهور :
واستدل الحجازيون وجمهور الفقهاء على أن كل مسكر خمر بما يلي :
أولاً : حديث ابن عمر « كلّ مسكر خمرٌ، وكل مسكر حرامٌ ».
ثانياً : حديث أبي هريرة :« الخمر من هاتين الشجرتين وأشار إلى الكرمة والنخلة ».
ثالثاً : حديث أنس « حرمت الخمر حين حرّمت، وما يُتخذ من خمر الأعناب إلا قليل، وعامة خمرنا البُسْرُ والتمر ».
رابعاً : حديث ابن عمر ( نزل تحريم الخمر يوم نزل وهي من خمسة : من العنب، والتمر، والحنطة، والشعير، والذرة، والخمرُ ما خامر العقل ).
خامساً : حديث أم سلمة « نهى رسول الله ﷺ عن كل مسكر ومفتّر »
واستدلوا لمذهبهم على أن المسكر يسمى خمراً باللغة أيضاً وهو أن الخمر سميت خمراً لمخامرتها للعقل، وهذه الأنبذة تخامر العقل أي تستره وتغيبه فلذلك تسمى خمراً، فالخمرُ هو السكر من أي شرابٍ كان، لأن السكر يغطي العقل، ويمنع من وصول نوره إلى الأعضاء.
قال الفخر الرازي :« فهذه الاشتقاقات من أقوى الدلائل على أن مسمّى الخمر هو المسكر، فكيف إذا انضافت الأحاديث الكثيرة إليه؟ لا يقال : إن هذا إثبات للغة بالقياس وهو غير جائز، لأنا نقول : ليس هذا إثباتاً للغة بالقياس بل هو تعيين المسمى بواسطة هذه الاشتقاقات.
والترجيح : ونحن إذا تأملنا أدلة الفريقين - ما ذكر منها وما لم يذكر - ترجح عندنا قول الجمهور وأهل الحجاز، فالخمر حرام، وكمل مسكر خمر كما قال عمر رضي الله عنه، وذلك لأن الصحابة لما سمعوا تحريم الخمر فهموا منه تحريم الأنبذة، وهم كانوا أعرف الناس بلغة العرب ومراد الشارع، وقد ثبت بالسنة المطهّرة تحريم كل مسكر ومفتّر، وثبت عن أنسٍ أنه كان ساقي القوم في منزل أبي طلحة حين حرمت الخمر، وما كان خمرهم يومئذٍ إلا الفضيخ، فحين سمعوا تحريم الخمر أهراقوا الشراب وكسروا الأواني، وما كان الفضيخ إلا من نقيع البسر، فما ذهب إليه الجمهور هو الصحيح المعوّل عليه، لا سيّما وأن المتأخرين من الأحناف أفتوا بقول محمد في سائر الأشربة وهو الحق الذي لا محيد عنه.
قال العلامة الألوسي :»
وعندي أن الحق الذي لا ينبغي العدول عنه، أن الشراب المتخذ مما عدا العنب كيف كان، وبأي اسم سمي، متى كان بحيث يُسكر حرام، وقليله ككثيره، ويحد شاربه، ويقع طلاقه، ونجاسته غليظة «.


الصفحة التالية
Icon