ثانياً : قوله تعالى :﴿ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ﴾ الواو للحالو ( لو ) هنا بمعنى ( إن ) وكذا كل موضع وليها الفعل الماضي كقوله :﴿ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخبيث ﴾ [ المائدة : ١٠٠ ] أي وإن أعجبك والتقدير : لأمة مؤمنة خيرٌ من مشركة وإن أعجبتك.
ثالثاً : قوله تعالى :﴿ وَلاَ تُنْكِحُواْ المشركين ﴾ بضم التاء هنا لأنه من الرباعي ( أنكح ) وهو يتعدى إلى مفعولين الأول ( المشركين ) والثاني محذوف وهو ( المؤمنات ) أي ولا تزوجوا المشركين المؤمنات.
وأما قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات ﴾ فهو من الثلاثي ( نكح ) أي لا تتزوجوا المشركات وهو يتعدى إلى مفعول واحد فقط.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : المراد بالنكاح هنا العقد بالإجماع أي لا تتزوجوا بالمشركات.
قال الكرخي : المراد بالنكاح العقد لا الوطء حتى قيل : إنه لم يرد في القرآن بمعنى الوطء أصلاً، لأن القرآن يكني وهذا من لطيف ألفاظه.
قال ابن جني :« سألت أبا علي عن قولهم : نكح المرأة فقال : فرّقت العرب في الاستعمال فرقاً لطيفاً حتى لا يحصل الالتباس، فإذا قالوا : نكح فلانٌ فلانةً : أرادوا أنه تزوجها وعقد عليها، وإذا قالوا : نكح امرأته أو زوجته لم يريدوا غير المجامعة، لأنه إذا ذكر امرأته أو زوجته فقد استغنى عن ذكر العقد فلم تحتمل الكلمة غير المجامعة ».
اللطيفة الثانية : في قوله تعالى :﴿ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ﴾ إشارة لطيفة إلى أن الذي ينبغي أن يراعي في الزواج ( الخلق والدين ) لا الجمال والحسب، والمال، كما قال ﷺ :« لا تنكحوا النساء لحسنهن فعسى حسنُهنّ أن يرديهن، ولا تنكحوهن على أموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن، وانكحوهنّ على الدين ولأَمةٌ سوداء خرقاء ذات دين أفضل ».
اللطيفة الثالثة : من المعلوم أن المغفرة قبل دخول الجنة، ولذلك قدمت في غير هذه الآية ﴿ وسارعوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ ﴾ [ آل عمران : ١٣٣ ] وإنما قدمت الجنة هنا لرعاية مقابلة النار لتكمل وتظهر المقابلة ﴿ أولئك يَدْعُونَ إِلَى النار والله يدعوا إِلَى الجنة والمغفرة بِإِذْنِهِ ﴾.
اللطيفة الرابعة : في الآية الكريمة من المحسنّات البديعة ما يسمى ب ( المقابلة ) فقد جاء بلفظ ( أمة ) ويقابلها ( العبد ) وبلفظ ( مؤمنة ) ويقابلها ( المشركة ) وبلفظ ( الجنة ) ويقابلها ( النار ) فهي مقابلة لطيفة بديعة تزيد الكلام رونقاً وجمالاً، والفرق بين ( المقابلة ) و ( الطباق ) أن المقابلة تكون بين معنيين أو أكثر متوافقة، ثم يؤتى بما يقابل ذلك على الترتيب، أما الطباق فيكون بين لفظين مثل ( الأول والآخر ) ومثل ( أضحك وأبكى ).
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : هل يحرم نكاح الكتابيات؟
دل قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ ﴾ على حرمة نكاح المجوسيات والوثنيات.
وأما الكتابيات فيجوز نكاحهن لقوله تعالى في سورة المائدة [ ٥ ] :﴿ وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ والمحصنات مِنَ المؤمنات والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب.. ﴾