[ ١٤ ] اعتزال النساء في الحيض
التحليل اللفظي
﴿ المحيض ﴾ : مصدر ميمي بمعنى الحيض، كالمعيش بمعنى العيش، قال رؤبة :
إليك أشكو شدة المعيش | ومُرّ أعوام نتفن ريشي |
وأصل الحيض : السيلان، يقال : حاض السيل وفاض، وحاضت الشجرة أي سالت.
قال الأزهري : ومنه قيل للحوض حوض، لأن الماء يحيض إليه أي يسيل. ويقال للمرأة : حائض، وحائضة كذا قال الفراء وأنشد :
كحائضةٍ يُزْنى بها غير طاهر... ﴿ أَذًى ﴾ : قال عطاء : أذى : أي قذر، والأذى في اللغة ما يكره من كل شيء ومنه قوله تعالى :﴿ لاَ تُبْطِلُواْ صدقاتكم بالمن والأذى ﴾ [ البقرة : ٢٦٤ ].
قال في « المصباح » : أذى الشي أذى من باب تعب بمعنى قذر، وقوله تعالى :﴿ قُلْ هُوَ أَذًى ﴾ أي مستقذر.
وقال الطبري : وسمي الحيض أذى لنتن ريحه وقذره ونجاسته.
﴿ فاعتزلوا ﴾ : الاعتزال التنحي عن الشيء والاجتناب له، ومنه قوله تعالى :﴿ وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله ﴾ [ مريم : ٤٨ ] والمرادُ باعتزال النساء اجتناب مجامعتهن، لا ترك المجالسة أو الملامسة فإن ذلك جائز.
﴿ يَطْهُرْنَ ﴾ : بالتخفيف أي ينقطع عنهم دم الحيض، وبالتشديد ( يَطّهَرْن ) بمعنى يغتسلن.
﴿ حَرْثٌ ﴾ : قال الراغب : الحرث إلقاء البذر في الأرض وتهيؤها للزرع، ويسمى المحروث حرثاً قال تعالى :﴿ أَنِ اغدوا على حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ ﴾ [ القلم : ٢٢ ].
وقال الجوهري : الحرث : الزرع، والحارث الزارع، ومعنى ( حرثٌ ) أي مزرع ومنبت للولد، والآية على حذف مضاف أي موضع حرثكم، أو على سبيل التشبيه ففرج المرأة كالأرض، والنطفة كالبذر، والولد كالنبات الخارج، فالحرث بمعنى المحترث، سمي موضع الشيء باسم الشيء على سبيل المبالغة.
﴿ أنى شِئْتُمْ ﴾ : أي كيف شئتم أو على أي وجهٍ شئتم مقبلة، أو مدبرة، أو قائمة، أو مضجعة بعد أن يكون المأتي في موضع الحرث.
قال الطبري : وقال ابن عباس :( فاتوا حرثكم أنَّى شئتم ) أي ائتها أنَّى شئت مقبلة ومدبرة، ما لم تأتها في الدبر والمحيض.
وعن عكرمة : يأتيها كيف شاء، ما لم يعمل عمل قوم لوط.
﴿ وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ ﴾ : أي قدموا الخير والصالح من الأعمال، لتكون زاداً لكم إلى الآخرة.
﴿ واتقوا الله ﴾ : أي خافوا عذابه بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه.
﴿ وَبَشِّرِ المؤمنين ﴾ : بالثواب والكرامة والفوز بالدرجات العلى في دار النعيم.
المعنى الإجمالي
يسألونك - يا محمد - عن إتيان النساء في حالة الحيض أيحل أم يحرم؟ قل لهم : إن دم الحيض دم مستقذر، ومعاشرتهن في هذه الحالة فيه أذى لكم ولهن، فاجتنبوا معاشرة النساء، ونكاحهن في حالة الحيض، ولا تقربوهن حتى ينقطع عنهن دم الحيض ويَطْهُرن، فإذا تطهّرْن بالماء فاغتسلن، فأتوهن من حيث أمركم الله، في المكان الذي أحلّه لكم وهو ( القُبُل* مكان النسل والولد، ولا تأتوهنّ في المكان المحرم ( الدبر ) فإن الله يحب عبده التائب المتنزه عن الفواحش والأقذار.