خامساً : واستدلوا أيضاً بدليل معقول، وهو أن المصحف الإمام كُتبت فيه البسملة في أول الفاتحة، وفي أول كل سورة من سور القرآن، ما عدا سورة ( براءة )، وكتبت كذلك في مصاحف الأمصار المنقولة عنه، وتواتر ذلك مع العلم بأنهم كانوا لا يكتبون في المصحف ما ليس من القرآن، وكانوا يتشدّدون في ذلك، حتى إنهم منعوا من كتابة التعشير، ومن أسماء السّور، ومن الإعجام، وما وُجِد من ذلك أخيراً فقد كتب بغير خطّ المصحف، وبمداد غير المداد، حفظاً للقرآن أن يتسرّب إليه ما ليس منه، فلما وجدت البسملة في سورة الفاتحة، وفي أوائل السور دلّ على أنه آية من كل سورة من سور القرآن.
دليل المالكية :
واستدل المالكية على أن البسملة ليست آية من الفاتحة، ولا من القرآن وإنما هي للتبرك بأدلة نوجزها فيما يلي :
أولاً : حديث عائشة رضي الله عنها قالت :« كان رسول الله ﷺ يفتتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله ربِّ العالمين »
ثانياً : حديث أنس كما في « الصحيحين » قال :« صلّيتُ خلف النبي ﷺ وأبي بكر، وعمر، وعثمان، فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين ».
وفي رواية لمسلم :( لا يذكرون ( بسم الله الرحمن الرحيم ) لا في أول قراءة ولا في آخرها ).
ثالثاً : ومن الدليل أنها ليست آية من الفاتحة حديث أبي هريرة قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : قال الله عزّ وجل :« قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل.
فإذا قال العبد :﴿ الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين ﴾. قال الله تعالى : حمدني عبدي.
وإذا قال العبد :﴿ الرحمن الرحيم ﴾. قال الله تعالى : أثنى عليّ عبدي.
وإذا قال العبد :﴿ مالك يَوْمِ الدين ﴾. قال الله تعالى : مجدّني عبدي - وقال مرة فوّض إليّ عبدي -.
فإذا قال :﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾. قال : هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل.
فإذا قال :﴿ اهدنا الصراط المستقيم * صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِم وَلاَ الضآلين ﴾. قال : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل »
.
قالوا : فقوله سبحانه :« قسمت الصلاة » يريد الفاتحة، وسمّاها صلاة لأن الصلاة لا تصح إلا بها، فلو كانت البسملة آية من الفاتحة لذكرت في الحديث القدسي.
رابعاً : لو كانت البسملة من الفاتحة لكان هناك تكرار في ﴿ الرحمن الرحيم ﴾ في وصفين وأصبحت السورة كالآتي :( بسم الله الرحمن الرحيم، الحد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم ) وذلك مخلّ ببلاغة النظم الجليل.
خامساً : كتابتها في أوائل السور إنما هو للتبرك، ولامتثال الأمر بطلبها والبدء بها في أوائل الأمور، وهي وإن تواتر كتبُها في أوائل السور، فلم يتواتر كونها قرآناً فيها.
قال القرطبي :« الصحيحُ من هذه الأقوال قول مالك، لأن القرآن لا يثبت بأخبار الآحاد وإنما طريقهُ التواتر القطعي الذي لا يختلف فيه.


الصفحة التالية
Icon