قال ابن العربي : ويكفيك أنها ليست من القرآن اختلاف الناس فيها، والقرآن لا يختلف فيه. والأخبار الصحاح التي لا مطعن فيها دالة على أن ( البسملة ) ليست بآية من الفاتحة ولا غيرها إلاَّ في النمل وحدها.
ثم قال : إنّ مذهبنا يترجّح في ذلك بوجه عظيم وهو المعقول، وذلك أن مسجد النبي ﷺ بالمدينة انقضت عليه العصور، ومرّت عليه الأزمنة، والدهور من لدن رسول الله ﷺ إلى زمان مالك، ولم يقرأ أحد فيه قطّ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) اتّباعاً للسُنّة، وهذا يردّ ما ذكرتموه، بيد أن أصحابنا استحبوا قراءتها في النفل، وعليه تُحمل الآثار الواردة في قراءتها أو على السعة في ذلك «.
دليل الحنفية :
وأما الحنفية : فقد رأوا أنّ كتابتها في ( المصحف ) يدل على أنها قرآن ولكن لا يدل على أنها آية من سورة، والأحاديث الواردة التي تدل على عدم قراءتها جهراً في الصلاة مع الفاتحة تدل على أنها ليست من الفاتحة، فحكموا بأنها آية من القرآن تامة - في غير سورة النمل - أنزلت للفصل بين السور.
ومما يؤيد مذهبهم : ما روي عن الصحابة أنهم قالوا :»
كنا لا نعرف انقضاء السور حتى تنزل ( بسم الله الرحمن الرحيم )، وكذلك ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ كان لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه « بسم الله الرحمن الرحيم ».
قال الإمام أبو بكر الرازي :« وقد اختلف في أنها آية من فاتحة الكتاب أم لا، فعدّها قرّاء الكوفة آية منها، ولم يعدّها قرّاء البصريين، وقال الشافعي : هي آية منها وإنْ تركها أعاد الصلاة، وحكى شيخنا ( أبو الحسن الكرخي ) عدم الجهر بها، ولأنها إذا لم تكن من فاتحة الكتاب فكذلك حكمها في غيرها، وزعم الشافعي أنها آية من كل سورة، وما سبقه إلى هذا القول أحد، لأن الخلاف بين السلف إنما هو في أنها آية من ( فاتحة الكتاب ) أو ليست بآية منها، ولم يعدّها أحد آية من سائر السور ».
ثم قال :« ومما يدل على أنها ليست من أوائل السور، ما روي عن النبي ﷺ أنه قال : سورة في القرآن ثلاثون آية شفعت لصاحبها حتى غفر له ﴿ تَبَارَكَ الذي بِيَدِهِ الملك ﴾ [ الملك : ١ ] » واتفق القرّاء وغيرهم أنها ثلاثون سوى ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فلو كانت منها كانت إحدى وثلاثين وذلك خلاف قول النبي ﷺ. ويدل عليه أيضاً اتفاق جميع قرّاء الأمصار وفقهائهم على أن سورة ( الكوثر ) ثلاث آيات، وسورة ( الإخلاص ) أربع آيات، فلو كانت منها لكانت أكثر ممّا عدّوا «.


الصفحة التالية
Icon