الترجيح :
وبعد استعراض الأدلة وما استدل به كل فريق من أئمة المذاهب نقول : لعلّ ما ذهب إليه الحنفية هو الأرجح من الأقوال، فهو المذهب الوسط بين القولين المتعارضين، فالشافعية يقولون إنها آية من الفاتحة ومن أول كل سورة في القرآن، والمالكية يقولون : ليست بآية لا من الفاتحة ولا من القرآن ﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾ [ البقرة : ١٤٨ ] ولكنْ إذا أمعنا النظر وجدنا أن كتابتها في المصحف، وتواتر ذلك بدون نكير من أحد - مع العلم بأنّ الصحابة كانوا يجرّدون المصحف من كل ما ليس قرآناً - يدلّ على أنها قرآن، لكن لا يدل على أنها آية من كل سورة، أو آية من سورة الفاتحة بالذات، وإنما هي آية من القرآن وردت للفصل بين السور، وهذا ما أشار إليه حديث ابن عباس السابق ( إنّ رسول الله ﷺ كان لا يعرف فصل السور حتى ينزل عليه :( بسم الله الرحمن الرحيم ) ويؤكد أنها ليست من أوائل السور أن القرآن نزل على مناهج العرب في الكلام، والعربُ كانت ترى التفنّن من البلاغة، لا سيّما في افتتاحاتها، فلو كانت آية من كل سورة لكان ابتداء كلّ السور على منهاجٍ واحد، وهذا يخالف روعة البيان في معجزة القرآن.
وقول المالكية : لم يتواتر كونها قرآناً فليست بقرآن غير ظاهر - كما يقول الجصّاص - إذ ليس بلازم أن يقال في كل آية إنها قرآن وتواتر ذلك، بل يكفي أن يأمر الرسول ﷺ بكتابتها ويتواتر ذلك عنه ﷺ، وقد اتفقت الأمة على أن جميع ما في المصحف من القرآن، فتكون البسملة آية مستقلة من القرآن كرّرت في هذه المواضع على حسب ما يكتب في أوائل الكتب على جهة التبرك باسم الله تعالى، وهذا ما تطمئن إليه النفس وترتاح، وهو القول الذي يجمع بين النصوص الواردة والله أعلم.
الحكم الثاني : ما هو حكم قراءة البسملة في الصلاة؟
اختلف الفقهاء في قراءة البسملة في الصلاة على أقوال عديدة :
أ - فذهب مالك رحمه الله : إلى منع قراءتها في الصلاة المكتوبة، جهراً كانت أو سرّاً، لا في استفتاح أم القرآن، ولا في غيرها من السور، وأجاز قراءتها في النافلة.
ب - وذهب أبو حنيفة رحمه الله : إلى أن المصلي يقرؤها سراً مع الفاتحة في كل ركعة من ركعات الصلاة، وإن قرأها مع كل سورة فحسن.
ج - وقال الشافعي رحمه الله : يقرؤها المصلي وجوباً. في الجهر جهراً، وفي السرّ سراً.
د - وقال أحمد بن حنبل رضي الله عنه : يقرؤها سرّاً ولا يسنّ الجهر بها.
وسبب الخلاف : هو اختلافهم في ( بسم الله الرحمن الرحيم ) هل هي آية من الفاتحة ومن أول كل سورة أم لا؟ وقد تقدم الكلام على ذلك في الحكم الأول.


الصفحة التالية
Icon