وشيء آخر : هو اختلاف آراء السلف في هذا الباب.
قال ابن الجوزي في « زاد المسير » : وقد اختلف العلماء هل البسملة، من الفاتحة أم لا؟ فيه عن أحمد روايتان، فأمّا من قال : إنها من الفاتحة، فإنه يوجب قراءتها في الصلاة إذا قال بوجوب الفاتحة، وأمّا من لم يرها من الفاتحة فإنه يقول : قراءتها في الصلاة سنّة، ما عدا مالكاً رحمه الله فإنه لا يستحب قراءتها في الصلاة.
واختلفوا في الجهر بها في الصلاة فيما يجهر به، فنقل جماعة عن أحمد : أنه لا يسُن الجهر بها، وهو قول أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، ومذهب الثوري، ومالك، وأبي حنيفة.
وذهب الشافعي : إلى أن الجهر بها مسنون، وهو مرويّ عن معاوية، وعطاء، وطاووس.
الحكم الثالث : هل تجب قراءة الفاتحة في الصلاة؟
اختلف الفقهاء في حكم قراءة فاتحة الكتاب في الصلاة على مذهبين :
أ - مذهب الجمهور ( مالك والشافعي وأحمد ) أن قراءة الفاتحة شرط لصحة الصلاة، فمن تركها مع القدرة عليها لم تصحّ صلاته.
ب - مذهب الثوري وأبي حنيفة : أن الصلاة تجزئ بدون فاتحة الكتاب مع الإساءة ولا تبطل صلاته، بل الواجب مطلق القراءة وأقله ثلاث آيات قصار، أو آية طويلة.
أدلة الجمهور :
استدل الجمهور على وجوب قراءة الفاتحة بما يلي :
أولاً : حديث عُبادة بن الصامت وهو قوله ﷺ :« لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ».
ثانياً : حديث أبي هريرة أن رسول الله ﷺ :« قال من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأمّ الكتاب فهيِ خِداج فهي خِداج، فهي خداج غير تمام ».
ثالثاً : حديث أبي سعيد الخدري :« أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسّر ».
قالوا : فهذه الآثار كلّها تدل على وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة، فإنّ قوله ﷺ :« لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب » يدل على نفي الصحة، وكذلك حديث أبي هريرة فهي خِداج قالها ﷺ ثلاثاً يدل على النقص والفساد، فوجب أن تكون قراءة الفاتحة شرطاً لصحة الصلاة.
استدل الثوري وفقهاء الحنفية على صحة الصلاة بغير قراءة الفاتحة بأدلة من الكتاب والسنّة.
أمّا الكتاب : فقوله تعالى :﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرآن ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] قالوا : فهذا يدل على أن الواجب أن يقرأ أي شيء تيسّر من القرآن، لأن الآية وردت في القراءة في الصلاة بدليل قوله تعالى :﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أدنى مِن ثُلُثَيِ الليل ﴾ إلى قوله :﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرآن ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] ولم تختلف الأمة أن ذلك في شأن الصلاة في الليل، وذلك عموم عندنا في صلاة الليل وغيرها من النوافل والفرائض لعموم اللفظ.


الصفحة التالية
Icon