« عن النبي ﷺ في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال : يتصدق بدينار أو بنصف دينار ».
وقال بعض أهل الحديث : إن وطئ في الدم فعليه دينار، وإن وطئ في انقطاعه فنصف دينار.
قال القرطبي :« حجة من لم يوجب عليه كفارة إلا الاستغفار والتوبة هذا الحديث عن ابن عباس، وأن مثله لا تقوم به حجة، وأن الذمة على البراءة ».
الحكم الثالث : ما هي مدة الحيض، وما هو أقله وأكثره؟
اختلف الفقهاء في مدة الحيض، ومقدار أقله وأكثره على أقوال :
الأول : قال أبو حنيفة والثوري : أٌله ثلاثة أيام، وأكثره عشرة.
الثاني : وقال الشافعي وأحمد : أقله يوم وليلة وأكثره خمسة عشرة يوماً.
الثالث : وقال مالك في المشهور عنه : لا وقت لقليل الحيض ولا لكثيره والعبرة بعادة النساء.
حجة أبو حنيفة : حديث أبي أمامة ( أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام ) قال الجصاص :« فإن صحّ هذا الحديث فلا معدل عنه لأحد ».
واحتج الشافعي بحديث :« تمكث إحداهن شطر عمرها لا تصلي ) والشطر في اللغة النصف، فهذا يدل على أن الحيض قد يكون خمسة عشر يوماً.
أقول : ليس في الآية ما يدل على أقل مدة الحيض ولا أكثره، وإنما هو أمر اجتهادي يرجع فيه إلى كتب الفروع، وتعرف الأدلة من الأخبار والآثار فارجع إليها هناك والله يتولاك.
الحكم الرابع : متى يحل قربان المرأة؟
دلّ قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ ﴾ على أنه لا يحل للرجل قربان المرأة في حالة الحيض حتى تطهر، وقد اختلف الفقهاء في الطهر ما هو؟
أ - فذهب أبو حنيفة : إلى أن المراد بالطهر انقطاع الدم، فإذا انقطع دم الحيض جاز للرجل أن يطأها قبل الغسل، إلاّ أنه إذا انقطع دمها لأكثر الحيض وهو ( عشرة أيام ) جاز وطؤها قبل الغسل، وإن كان انقطاعه قبل العشرة لم يجز حتى تغتسل أو يدخل عليها وقت صلاة.
ب - وذهب الجمهور ( مالك والشافعي وأحمد ) إلى أن الطهر الذي يحل به الجماع، هو تطهرها بالماء كطهور الجنب، وأنها لا تحل حتى ينقطع الحيض وتغتسل بالماء.
ج - وذهب طاووس ومجاهد إلى أنه يكفي في حلّها أن تغسل فرجها وتتوضأ للصلاة.
وسبب الخلاف : أن الله تعالى قال :﴿ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله ﴾ الأولى بالتخفيف، والثانية بالتشديد، وكلمة ( طَهُر ) يستعمل فيما لا كسب فيه للإنسان وهو انقطاع دم الحيض، وأمّا ( تطهّر ) فيستعمل فيما يكتسبه الإنسان بفعله وهو الاغتسال بالماء.
فحمل أبو حنيفة :( حتى يَطْهُرن ) على انقطاع دم الحيض، وقوله :﴿ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ ﴾ على معنى فإذا انقطع دم الحيض، فاستعمل المشدّد بمعنى المخفّف.
وقال الجمهور معنى الآية :»
ولا تقربوهنّ حتّى يغتسلن، فإذا اغتسلن فأتوهن « فاستعملوا المخفّف بمعنى المشدّد، واستدلوا بقراءة حمزة والكسائي ( حتّى يطهّرَن ) بالتشديد في الموضعين.


الصفحة التالية
Icon