الحكم الثاني : ما هو الإيلاء، وما هو حكمه؟
تقدم معنا تعريف الإيلاء لغة، وأمّا شرعاً : فهو أن يحلف الرجل على ترك وطء زوجته أكثر من أربعة أشهر، كأن يقول : والله لا أقربك، أو لا أجامعك، أو أمثال هذه الكلمات.
قال ابن عباس :« كان إيلاء الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك، يقصدون بذلك إيذاء المرأة عند المساءة، فوقّت الله لهم أربعة أشهر، فمن آلى بأقل من ذلك فليس بإيلاء حكمي ».
واتفق العلماء على أنه لو هجرها مدة تزيد على أربعة أشهر لا يكون مؤلياً حتى يحلف لقوله تعالى :﴿ لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ ﴾ أي يحلفون، وهجرانها ليس بيمين فلا يتعلق به وجوب الكفارة، ولا تطلق منه زوجته بالهجر.
واختلفوا في المدة التي تَبِيْنُ فيها المرأة من زوجها، فقال ابن عباس : إذا مضت أربعة أشهر قبل أن يفئ بانت بتطليقة، وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله.
وقال مالك والشافعي وأحمد : لا تطلق بمضي المدة وإنما يؤمر الزوج بالفيئة ( الرجوع عن يمينه ) أو بالطلاق، فإذا امتنع الزوج منهما طلقها الحاكم عليه.
حجة أبي حنيفة : أن الله تعالى حدّد المدة للفيء بأربعة أشهر، فإذا لم يرجع عن يمينه في هذه المدة فكأنه أراد طلاقها وعز عليها، والعزيمة في الحقيقة إنما هي عقد القلب على الشيء تقول : عزمت على كذا أي عقدت قلبي على فعله فهذا هو المراد من قوله تعالى :﴿ وَإِنْ عَزَمُواْ الطلاق ﴾ أي عقدوا عليه قلوبهم، ولم تشترط الآية أن يطلق بالفعل.
حجة الجمهور : أن قوله تعالى :﴿ وَإِنْ عَزَمُواْ الطلاق ﴾ صريح في أنّ وقوع الطلاق إنما يكون بإيقاع الزوج، فلا يكفي المدة بل لا بدّ بعدها من الفيء أو الطلاق.
قال الشوكاني في تفسيره « فتح لقدير » :« واعلم أن أهل كل مذهب قد فسّروا هذه الآية بما يطابق مذهبهم، وتكلفوا بما لم يدّل عليه اللفظ، ومعناها ظاهر واضح، وهو أن الله جعل الأجل لمن يؤلي : أي يحلف من امرأته أربعة أشهر، ثم قال مخبراً عباده بحكم هذا ( المؤلي ) بعد هذه المدة ( فإن فاءوا ) أي رجعوا إلى بقاء الزوجية واستدامة النكاح ﴿ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ أي لا يؤخذهم بتلك اليمين بل يغفر لهم ويرحمهم ﴿ وَإِنْ عَزَمُواْ الطلاق ﴾ أي وقع العزم منهم عليه والقصد له ﴿ فَإِنَّ الله سَمِيعٌ ﴾ لذلك منهم ﴿ عَلِيمٌ ﴾ به، فهذا معنى الآية الذي لا شك فيه ولا شبهة ».


الصفحة التالية
Icon