الحكم الثالث : هل يشترط في اليمين أن تكون للإضرار؟
قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد : يصح الإيلاء في حال الرضا والغضب.
وقال مالك : لا يكون إيلاءً إلا إذا حلف عليها في حال غضب على وجه الإضرار.
حجة مالك : ما روي عن ( علي كرّم الله وجهه ) أنه سئل عن رجلٍ حلف ألاّ يطأ امرأته حتى تفطم ولدها، ولم يرد الإضرار بها وإنما قصد مصلحة الولد فقال له : إنما أردتَ الخير، وإنما الإيلاء في الغضب.
وما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : لا إيلاء إلاّ بغضب.
حجة الجمهور : أن الآية عامة ﴿ لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ﴾ فهي تشمل من حلف بقصد الإضرار، أو حلف بقصد المصلحة لولده، فالكل يشمله لفظ ( الإيلاء ).
قال الشعبي : كل يمين مَنعتْ جِماعاً حتى تمضي أربعة أشهر فهي إيلاء.
وقد رجّح ابن جرير الطبري الرأي الأول ( رأي الجمهور ) فقال :« والصواب قول من قال :» كل يمين مَنعتْ الجماع أكثر من المدة التي جعل للمؤلي التربص بها قائلاً في غضب كان ذلك أو رضى فهو إيلاء «.
الحكم الرابع : ما المراد بالفيء في الآية الكريمة؟
اختلف الفقهاء في الفيء الذي عناه الله تعالى بقوله :﴿ فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾.
فقال بعضهم : المراد بالفيء الجماع لا فيء غيره، فإذا لم يغشها وانقضت المدة بانت منه، وهو قول ( سعيد بن جبير ) و ( الشعبي ).
وقال آخرون : الفيء : الجماع لمن لا عذر له، فإن كان مريضاً أو مسافراً أو مسجوناً فيكفي المراجعة باللسان أو القلب، وهذا مذهب جمهور العلماء.
وقال آخرون : الفيء : المراجعة باللسان على كل حال فيكفي أن يقول : قد فئت إليها وهو قول النخعي.
وأعدل الأقوال القول الثاني : وهو قول جمهور الفقهاء والله أعلم.
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
١ - عدم جواز الحلف على المنع من فعل البر والخير.
٢ - من حلف على يمين ورأى الخير في خلافها فليفعل الخير وليكفّر.
٣ - اليمين اللغو التي لا يقصد بها اليمين لا مؤاخذة عليها ولا كفارة فيها.
٤ - الإيلاء من الزوجة بقصد الإضرار يتنافى مع وجوب المعاشرة بالمعروف.
٥ - إذا لم يرجع الزوج عن يمينه في مدة أربعة شهور تطلق عليه زوجته.
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
أمرت الشريعة الغرّاء بالإحسان إلى الزوجة ومعاشرتها بالمعروف، وحرّمت إيذاءها والإضرار بها بشتى الصور والأشكال ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بالمعروف فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فعسى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ الله فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ﴾ [ النساء : ١٩ ].
ولمّا كان الإيلاء من الزوجة، وهجرها في المضاجع مدة طويلة من الزمن، لا يقصد منه إلا الإساءة إلى الزوجة والإضرار بها، بحيث تصبح المرأة معلقة، ليست بذات زوج ولا مطلّقة، وكان هذا مما يتنافى مع وجوب المعاشرة بالمعروف ولا يتفق مع تعاليم الإسلام الرشيدة، لذلك فقد أمر الباري جل وعلا بإمهال هذا الزوج مدة من الزمن أقصاها أربعة شهور، فإن عاد إلى رشده فكفر عن يمينه، وأحسن معاملة زوجته فعاشرها بالمعروف، ودفع عنها الإساءة والظلم فهي زوجته، وإلاّ فقد طلقت منه بذلك الإصرار، وهذا من محاسن الشريعة الغراء، حيث دفعت عن كاهل المرأة الظلم ودعت إلى البر بها والإحسان، وجعلتها شريكة الرجل في الحياة السعيدة الكريمة.


الصفحة التالية
Icon