﴿ ضِرَاراً ﴾ : أي بقصد الإضرار، قال القفال : الضّرار هو المضارّة قال تعالى :﴿ والذين اتخذوا مَسْجِداً ضِرَاراً ﴾ [ التوبة : ١٠٧ ] أي ليضارّوا المؤمنين ومعنى المضارة الرجوع إلى إثارة العداوة، وإزالة الألفة.
﴿ تَعْضُلُوهُنَّ ﴾ : العضل : المنع والتضييق، يقال : أعضل الأمر : إذا ضاقت عليك فيه الحيل، وداء عُضال أي شديد عسير البرء أعيا الأطباء، وكل مشكلٍ عند العرب فهو معضل، ومنه قول الشافعي رضي الله عنه :

إذا المعضلاتُ تصدَّيْنني كشفت حقائقها بالنظر
قال الأزهري :« أصل العضل من قولهم : عضلت الناقة إذا نشب ولدها فلم يسهل خروجه، وعضلت الدجاجة إذا نشب بيضها فلم يخرج ».
والمعنى : فلا تمنعوهن من الزواج بمن أردن من الأزواج بعد انقضاء عدتهن.
﴿ زكى لَكُمْ ﴾ : أي أنمى وأنفع يقال : زكا الزرع إذا نما بكثرة وبركة.
﴿ وَأَطْهَرُ ﴾ : من الطهارة وهي التنزه عن الدنس وعن الذنوب والمعاصي.
المعنى الإجمالي
يقول الله تعالى ما معناه : الأزواج المطلقات اللواتي طلقهن أزواجهن لسبب من الأسباب على هؤلاء انتظار مدة من الزمن هي مدة ( ثلاثة أطهار ) أو ( ثلاث حيَض ) لمعرفة براءة الرحم حتى لا تختلط الأنساب، وأزواجهن أحق بهنّ في الرجعة من الأجانب إذا لم تنقض عدتهن، وكان الغرض من هذه الرجعة ( الإصلاح ) لا ( الإضرار ) ولهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن، مثل الذي عليهن من الطاعة فيما أمر الله تعالى، وللرجال عليهن درجة القوامة، والإنفاق والإمرة والطاعة.
ثم بين تعالى أن الطلاق الذي تجوز به الرجعة مرتان، فإن طلقها الثالثة فلا تحل له حتى تتزوج بعده بزوج آخر، أما إذا لم يكن الطلاق ثلاثاً فله أن يراجعها إلى عصمة نكاحة، فإما أن يمسكها بالمعروف فيحسن معاشرتها وصحبتها وإمّا أن يطلق سراحها للتزوج بمن تشاء بعلّها تسعد بالزواج الثاني ﴿ وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ الله كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ ﴾ [ النساء : ١٣٠ ].
ولا يحل الله لكم أيها الرجال أن تأخذوا ممّا دفعتم إليهن من المهور شيئاً، لأنكم قد استمتعتم بهن إلا إذا خفتم سوء العشرة بين الزوجين، وأرادت الزوجة أن تختلع بالنزول عن مهرها أو بدفع شيء من المال لزوجها حتى يطلّقها فليس هناك جناح من أخذ الفداء.
ثم بيّن تعالى أنه إذا طلّقها الثالثة بعد أن راجعها مرتين، فلا تحلّ له إلاّ بالزواج بزوج آخر، بعد أن يذوق عُسيلتها وتذوق عُسيلته، فإن طلقها الزوج الثاني فلا بأس أن تعود إلى زوجها الأول إن كان ثمة دلائل تدل على الوفاق والتلاق.
ثم أمر تعالى الرجال بالإحسان في معاملة الأزواج وعدم الإضرار بهن، كما أمر الأولياء بألاّ يمنعوا المرأة من العودة إلى زوجها إذا رغبت في العودة، لا سيما إذا صلحت الأحوال وظهرت أمارات الندم على الزوجين في استئناف الحياة الفاضلة، والعيشة الكريمة.
سبب النزول
أولاً : روي أن أهل الجاهلية لم يكن عندهم للطلاق عدد، وكان يطلّق الرجل امرأته ما شاء من الطلاق، فإذا كادت تحل راجعها، فعمد رجلٌ لامرأته على عهد النبي ﷺ فقال لها : لا آويك ولا أدعك تحلّين، قالت : وكيف؟ قال : أطلقك فإذا دنا مضيُّ عدتك راجعتك، فشكت ذلك للنبي ﷺ فأنزل الله تعالى :﴿ الطلاق مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بإحسان ﴾ الآية.


الصفحة التالية
Icon