ثانياً : وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : كان الرجل يطلّق امرأته ثم يراجعها قبل انقضاء عدتها ثم يطلقها، يفعل بها ذلك يضارّها ويعضلها فأنزل الله تعالى :﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النسآء... ﴾ الآية.
ثالثاً : وأخرج البخاري والترمذي عن ( مَعْقل بن يسار ) رضي الله عنه أنه زوّج أخته رجلاً من المسلمين على عهد النبي ﷺ فكانت عنده ما كانت ثم طلّقها تطليقة لم يراجعها حتى انقضت العدة، فهويها وهويته ثم خطبها مع الخُطَّاب فقال له : يا لكع أكرمتك بها وزوّجتك فلطّقتها! والله لا ترجع إليك أبداً قال : فعلم الله حاجته إليها وحاجتها إلى بعلها فأنزل الله ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النسآء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ... ﴾ الآية فلما سمعها ( معقل ) قال : سمعاً لربي وطاعة ثم دعاه فقال : أزوّجك وأكرمك.
وجوه القراءات
١ - قرأ الجمهور ﴿ ثَلاَثَةَ قرواء ﴾ بالهمزة وقرأ نافع ( ثلاثة قرُوّ ) بكسر الواو وشدها من غير همز، وقرأ الحسن ( قَرء ) بفتح القاف وسكون الراء.
٢ - قرأ الجمهور ﴿ إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله ﴾ وقرأ حمزة ( إلا أن يُخافا ) بضم الياء مبنياً للمجهول، وقرئ يظنّا.
٣ - قرأ الجمهور ﴿ وَتِلْكَ حُدُودُ الله يُبَيِّنُهَا ﴾ بالياء أي يبينها الله، وقرأ عاصم ( نبينها ) بالنون وهي نون التعظيم.
وجوه الإعراب
١ - قوله تعالى :﴿ والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ﴾ المطلقات مبتدأ والجملة الفعلية خبر، و ﴿ ثَلاَثَةَ قرواء ﴾ منصوب على الظرفية، والمفعول به محذوف أي يتربصن الزوج.
٢ - قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ ﴾ أن وما بعدها في تأويل مصدر فاعل ل ( يحل ) والتقدير : لا يحل لهن كتمان، و ( ما ) اسم موصول بمعنى الذي مفعول ل ( يكتمن ).
٣ - قوله تعالى :﴿ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾ للرجال خبر مقدم و ( درجة ) مبتدأ مؤخر، وجاز الابتداء بالنكرة لتقدم الجار والمجرور عليها.
٤ - قوله تعالى :﴿ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ ﴾ ضراراً مفعول لأجله أي من أجل الضرار، وجوّز بعضهم أن يكون منصوباً على الحال أي ( مضارين ) و ( لتعتدوا ) متعلق ب ( ضراراً ).
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : قوله تعالى :﴿ والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ ﴾ خبرٌ والمراد منه الأمر أي ( ليتربّصْن ) وفائدته التنبيه إلى أنه ممّا ينبغي أن يتلّقى بالقبول والمسارعة إلى الإتيان به.
قال صاحب « الكشاف » :« التعبير عن الأمر بصيغة الخبر يفيد تأكيد الأمر، إشعاراً بأنه مما يجب أن يتلقى بالمسارعة إلى امتثاله، فكأنهن امتثلن الأمر فهو يخبر عنه موجوداً، ونظيره قولهم في الدعاء : رحمك الله، أخرج في صورة الخبر ثقة بالإجابة، كأنها وجدت الرحمة فهو يخبر عنها ».