اللطيفة الثانية : العدول عن قوله : وعلى الوالد إلى قوله :﴿ وَعلَى المولود لَهُ ﴾ فيه لطيفة وهي أن الأولاد يتبعون الأب ويلتحقون بنسبه دون الأم، فالموجب المقتضي للإنفاق على الأمهات والمرضعات كون الأولاد لهم فعليهم تجب النفقة، واللفظ يشعر بالمنحة وشبه التمليك ولهذا أتى به دون لفظ الوالد.
قال الزمخشري :« فإن قلت : لم قيل ( المولود له ) دون الوالد؟ قلت : ليعلم أن الوالدات إنما ولدن لهم، لأن الأولاد للآباء ولذلك ينسبون إليهم لا إلى الأمهات ».
اللطيفة الثالثة : قال أبو حيان : وصف الله تعالى الحولين بالكمال ( حولين كاملين ) دفعاً للمجاز الذي يحتمله ذكر الحولين، إذ يقال : أقمتُ عند فلان حولين وإن لم يستكملهما، وهي صفة توكيد كقوله تعالى :﴿ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ﴾ [ البقرة : ١٩٦ ].
اللطيفة الرابعة : قوله تعالى :﴿ لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ ﴾ أضاف الولد في الآية إلى كل من الأبوين ﴿ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا ﴾ و ﴿ وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ ﴾ وذلك لطلب الاستعطاف والإشفاق، فالولد ليس أجنبياً عن الوالدين، هذه أمه وذاك أبوه، فمن حقهما أن يشفقا عليه، ولا تكون العداوة بينهما سبباً للإضرار بالولد.
قال العلامة أبو السعود :« إضافة الولد إلى كلٍ منهما لاستعطافهما إليه، وللتنبيه على أنه جدير بأن يتفقا على استصلاحه، ولا ينبغي أن يضرا به أو يتضارّا بسببه ».
اللطيفة الخامسة : في قوله تعالى :﴿ أَن تسترضعوا أَوْلاَدَكُمْ ﴾ التفات من الغيبة إلى الخطاب، وتلوين في التعبير لأن الآية قبله ﴿ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً ﴾ جاء بضمير التثنية للغائب، وهنا جاء بضمير الجمع للمخاطب، وفائدة هذا الالتفات هز مشاهر الآباء إلى امتثال أمر الله في الأبناء.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : ما المراد بالوالدات في الآية الكريمة؟
أ - قال بعضهم : لفظ الوالدات في الآية خاص بالمطلقات، وهو قول مجاهد والضحاك، والسدّي. واستدلوا بأن الآيات السابقة كانت في أحكام المطلقات وهذه وردت عقيبها تتمة لها، وبأن الله أوجب على الوالد رزقهن وكسوتهن، ولو كنّ أزواجاً لما كان هناك حاجة إلى هذا الإيجاب، لأن النفقة واجبة على الزوج من أجل الزوجة، ثم تعليل الحكم بالنهي على المضارّة بالولد يدل على أن المراد بالوالدات المطلقات، لأنّ التي في عصمة الزوجية لا تضارّ ولدها.
ب - وقال بعضهم : إنه خالص بالوالدات الزوجات في حال بقاء النكاح، وهو اختيار الواحدي كما نقله عنه الرازي والقرطبي، ودليلهم أن المطلّقة لا تستحق الكسوة، وإنما تستحق الأجرة فلما قال تعالى :﴿ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ ﴾ دلّ على أن المراد بهن الأمهات الزوجات.
ج - وقال آخرون : المراد بالوالدات العموم أي جميع الوالدات سواءً كنّ مزوجات أو مطلقات، عملاً بظاهر اللفظ فهو عام ولا دليل على تخصيصه وهو اختيار القاضي أبو يعلى، وأبو سليمان الدمشقي مع آخرين، ولعل هذا القول هو الأرجح وقد ذهب إليه أبو حيان في « البحر المحيط ».