الحكم الثاني : هل يجب على الأم إرضاع ولدها؟
ذهب بعض العلماء إلى أنه يجب على الأم إرضاع ولدها لظاهر قوله تعالى :﴿ والوالدات يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ ﴾ فهو أمر في صورة الخبر أي :( ليرضعن أولادهن ).
وهذا مذهب مالك أن الرضاع واجب على الأم في حال الزوجيّة فهو حق عليها إذا كانت زوجة، أو إذا لم يقبل الصبي ثدي غيرها، أو إذا عُدم الأب، واستثنوا من ذلك الشريفة بالعُرف، وأما المطلقة طلاق بينونة فلا رضاع عليها، والرضاع على الزوج إلاّ أن تشاء هي إرضاعه فهو أحق، ولها أجرة المثل.
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن الأمر هنا للندب، وأنه لا يجب على الوالدة إرضاع ولدها إلاّ إذا تعينّت مرضعاً بأن كان لا يقبل غير ثديها، أو كان الوالد عاجزاص عن استئجار ظئر ( مرضعة ) ترضعه، أو قدر ولكنه لم يجد الظئر، واستدلوا بقوله تعالى :﴿ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أخرى ﴾ [ الطلاق : ٦ ] ولو كان الإرضاع واجباً لكلفها الشرع به، وإنما ندب لها الإرضاع لأن لين الأم أصلح للطفل، وشفقة الأم عليه أكثر.
الحكم الثالث : ما هي مدة الرضاع الموجب للتحريم؟
ذهب الجمهور الفقهاء ( مالك والشافعي وأحمد ) إلى أن الرضاع الذي يتعلق به حكم التحريم، ويجري به مجرى النسب بقوله عليه السلام :« يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » هو ما كان في الحولين واستدلوا بقوله تعالى :﴿ والوالدات يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ﴾ وبما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال :« لا رضاع إلاّ ما كان في الحولين ».
وذهب أبو حنيفة إلى أن مدة الرضاع المحرّم سنتان ونصف لقوله تعالى :﴿ وَحَمْلُهُ وفصاله ثلاثون شَهْراً ﴾ [ الأحقاف : ١٥ ].
قال العلامة القرطبي :« والصحيح الأول لقوله تعالى :﴿ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ﴾ وهذا يدل على أن لا حكم لما ارتضع المولود بعد الحولين، ولقوله عليه السلام :» لا رضاع إلا ما كان في الحولين « وهذا الخبر مع الآية والمعنى ينفي رضاعة الكبير وأنه لا حرمة له، وقد روي عن عائشة القول به، وبه يقول :( الليث بن سعد ) وروي عن أبي موسى الأشعري أنه كان يرى رضاع الكبير، وروي عنه الرجوع عنه ».
الحكم الرابع : كيف تقدر نفقة المرضع؟
دل قوله تعالى :﴿ وَعلَى المولود لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بالمعروف ﴾ على وجوب النفقة للمرضع على الزوج، والنفقة تكون على قدر حال الأب من السعة والضيق لقوله تعالى :﴿ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا ﴾ وقد دل على ذلك أيضاً قوله تعالى :﴿ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ الله ﴾ [ الطلاق : ٧ ] وأخذ الفقهاء من آية البقرة ﴿ وَعلَى المولود لَهُ رِزْقُهُنَّ ﴾ وجوب النفقة الولد على الوالد، لأن الله أوجب نفقة المطلقة على الوالد في زمن الرضاع لأجل الولد، فتجب نفقته على أبيه ا دام صغيراً لم يبلغ سن التكليف.