اللطيفة الثانية : الزوج يطلق على الذكر والأنثى، وهو في الأصل العدد المكّون من اثنين، وسمي كل من الرجل والمرأة ( زوجاً ) لأن حقيقة الزوج مكونة من شيئين اتحدا فصارا شيئاً واحداً، ولهذا وضع لهما لفظ واحد، فهما في الظاهر شيئان، وفي الباطن شيء واحد، ومقتضى الزوجية أن يتحدا حتى يكون كل منهما كأنه عين الآخر.
اللطيفة الثالثة : روى ابن جرير الطبري عن أم سلمة رضي الله عنها، أن امرأة توفي عنها زوجها، واشتكت عينها، فأتت النبي ﷺ تستفتيه في الكحل فقال لها :« لقد كانت إحداكنّ تكون في شر أحلاسها، فتمكث في بيتها في بيتها حولاً إذا توفي زوجها، فيمر عليها الكلب فترميه بالبعرة، أفلا أربعة أشهر وعشراً؟! » اللطيفة الرابعة : الحكمة في تحديد عدة الوفاة بأربعة أشهر وعشر أيام، هي أن الغاية الأصلية معرفة براءة الرحم، والجنين يتكون في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم أربعين يوماً علقه، ثم أربعين يوماً مضغة، كما دل على ذلك الحديث الصريح الصحيح، فهذه مائة وعشرون يوماً، ثم تنفخ فيه الروح بعد هذه المدة، فزيدت العشر لذلك، وقد سئل أبو العالية : لم ضمت العشر إلى الأربعة أشهر؟ فقال : لأن الروح فيها تنفخ.
الحكم الأول : هل الآية ناسخة لآية الاعتداد بالحول؟
ذهب جمهور العلماء إلى أن هذه الآية ناسخة لقوله تعالى :﴿ والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى الحول غَيْرَ إِخْرَاجٍ ﴾ [ البقرة : ٢٤٠ ] فقد كانت العدة حولاً كاملاً، ثم نسخ ذلك بأربعة أشهر وعشر، وهذه الآية وإن كانت متقدمة في ( التلاوة ) على آية الاعتداد بالحول، إلاّ أنها متأخرة في ( النزول ) فإن ترتيب المصحف ليس على ترتيب النزول بل هو توقيفي فتكون ناسخة، وذهب بعضهم إلى أنه ليس في الآية نسخ، وإنما هو نقصان من الحول كصلاة المسافر لما نقصت من أربع إلى اثنين لم تكن نسخاً وإنما كانت تخفيفاً.
قال القرطبي :« وهذا غلطٌ بيّن، لأنه إذا كان حكمها أن تعتد سنة، ثم أزيل هذا ولزمتها العدة أربعة أشهر وعشراً فهذا هو النسخ، وليست صلاة المسافر من هذا في شيء ».
الحكم الثاني : ما هي عدة الحامل المتوفي عنها زوجها؟
عدة الحامل المتوفي عنها زوجها ( وضع الحمل ) لقوله تعالى :﴿ وَأُوْلاَتُ الأحمال أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ [ الطلاق : ٤ ] فالآية هذه قد خصّصت العموم الوارد في قوله تعالى :﴿ والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ... ﴾ وهذا قول جمهور العلماء.
وروي عن علي وابن عباس رضي الله عنهما أن الحامل تعتدّ بأبعد الأجلين، بمعنى أنها إذا كانت حاملاً فوضعت الحمل ولم تنته مدة العدة ( أربعة أشهر وعشر ) تبقى معتدة حتى تنتهي المدة، وإذا انتهت المدة ولم تضع الحمل تنتظر حتى وضع الحمل، فإذا قعدت أبعد الأجلين فقد عملت بمقتضى الآيتين، وإن اعتدت بوضع الحمل فقد تركت العمل بآية عدة الوفاة، والجمع أولى من الترجيح.