قال القرطبي : وهذا نظرٌ حسن لولا ما يعكر عليه من حديث ( سبيعة الأسلمية ) وهو في الصحيح.
حجة الجمهور :
استدل الجمهور على أن عدة الحامل وضع الحمل بالكتاب والسنة :
أ - أما الكتاب فقوله تعالى :﴿ وَأُوْلاَتُ الأحمال أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ [ الطلاق : ٤ ]، فهذه عامة في المطلّقة والمتوفى عنها زوجها، وقد جعل الله العدة فيها بوضع الحمل.
ب - وأما السنة فما روي عن ( سُبيعة الأسلمية ) أنها كانت تحت ( سعد بن خولة ) وهو ممن شهد بدراً، فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل، فلم تنْشبْ ( أي تلبث ) أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلّت من نفاسها ( أي طهرت من دم النفاس ) تجمّلت للخُطّاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك فقال لها : ما لي أراك متجملة، لعلّك ترجِّينَ النكاح؟ والله ما أنت بناكح حتى يمرّ عليك أربعة أشهر وعشر. قالت سبيعة : فلما قال لي ذلك جمعتُ عليّ ثيابي حين أمسيتُ، فأتيتُ رسول الله ﷺ فسألته عن ذلك فأفتاني بأني قد حللْتُ حين وضعت حملي، وأمرني بالتزوج إن بدا لي «.
قال ابن عبد البر :»
وقد روي أن ابن عباس رجع إلى حديث ( سُبيْعة ) لمّا احتُج به عليه، قال : ويصحّح ذلك أن أصحابه أفتوا بحديث سُبيْعة كما هو قول أهل العلم قاطبة «.
وقال القرطبي :»
فبيّن الحديثُ أن قوله تعالى :﴿ وَأُوْلاَتُ الأحمال أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ [ الطلاق : ٤ ] محمول على عمومه في المطلقات، والمتوفّى عنهن أزواجهن، وأن عدة الوفاة مختصة بالحائل من الصنْفين، ويعتضد هذا بقول ابن مسعود :« من شاء باهلته، إن آية النساء القصرى نزلت بعد آية عدة الوفاة ».
الحكم الثالث : ما هو الإحداد، وكم تحد المرأة على زوجها؟
أوجبت الشريعة الغراء أن تحد المرأة على زوجها المتوفى مدة العدة وهي ( أربعة أشهر وعشر ) ويجوز لها أن تحد على قريبها الميت ثلاثة أيام، ويحرم عليها أن تحد عليه فوق ذلك، لما روي في « الصحيحين » عن زينب بنت أم سلمة قالت : دخلت على أم حبيبة حين توفي أبو سفيان ( أبوها ) فدعت أم حبيبة بطيبٍ فيه صفرة خلوق وغيره فدهنت منه جارية ثم مسّت بعارضيها، ثم قالت : والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله ﷺ يقول على المنبر :« لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميت فوق ثلاث إلاّ على زوج أربعة أشهر وعشراً ».


الصفحة التالية
Icon