ثم ذكر تعالى حكم المطلّقة قبل الفرض والمسيس، فرفع الإثم عن الطلاق قبل الدخول، لئلا يتوهم أحد أن الطلاق في هذه الحالة محظور، وأمر بدفع المتعة لهن تطيباً لخاطرهن، على قدر حال الرجل في الغنى والفقر، وجعله نوعاً من الإحسان لجبر وحشة الطلاق، وأمّا إذا كان الطلاق قبل المساس وقد ذُكر المهر، فللمطلّقة نصف المسمّى المفروض، إلا إذا أسقطت حقها، أو دفع الزوج لها كامل المهر، أو أسقط ولي أمرها الحق إذا كانت صغيرة.
ثم ختم تعالى الآية بالتذكير بعدم نسيان المودة، والإحسان، والجميل بين الزوجين، فإذا كان الطلاق قد تمّ لأسباب ضرورية قاهرة، فلا ينبغي أن يكون هذا قاطعاً لروابط المصاهرة ووشائج القربى.
سبب النزول
قال الخازن في « تفسيره » :« نزلت هذه الآية ﴿ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النسآء ﴾ في رجل من الأنصار، تزوج امرأة من بني حنيفة ولم يسمّ لها صداقاً، ثم طلقها قبل أن يمسها فنزلت ﴿ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ﴾ الآية فقال له رسول الله ﷺ أمتعها ولو بقلنسوتك ».
وجوه القراءات
١ - قرأ الجمهور ﴿ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ ﴾ وقرأ حمزة والكسائي ( تُماسُوهنّ ) بألف وضم التاء في الموضعين هنا وفي الأحزاب، وهو من باب المفاعلة كالمباشرة والمجامعة.
٢ - قرأ الجمهور ﴿ عَلَى الموسع قَدَرُهُ ﴾ بالرفع، وقرأ ابن كثير ونافع ( قدْرُه ) بسكون الدال.
٣ - قرأ الجمهور ﴿ وَأَن تعفوا أَقْرَبُ للتقوى ﴾ وقرئ ( وأن يَعْفوا ) بالياء.
وجوه الإعراب
أولاً - قوله تعالى :﴿ ولكن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً ﴾ لكنْ حرفُ استدراك، والمستدرك محذوف تقديره علم الله أنكم ستذكرونهنّ فاذكروهن ولكن لا توعدوهن و ( سرّاً ) مفعول به لأنه بمعنى النكاح، أي لا تواعدوهنّ نكاحاً، ويصح أن يعرب على أنه حال تقديره مستخفين، والمفعول محذوف أي لا تواعدوهن النكاح سراً.
ثانياً - قوله تعالى :﴿ وَلاَ تعزموا عُقْدَةَ النكاح ﴾ منصوب بنزع الخافض أي على عقدة النكاح.
ثالثاً - قوله تعالى :﴿ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ ﴾ ما : مصدرية والزمان معها محذوف تقديره : في من ترك مستهنّ، وقيل :( ما ) شرطية أي ( إن لم تمسوهن ).
رابعاً - قوله تعالى :﴿ فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ ﴾ خبر لمبتدأ محذوف تقديره : فالواجب نصف ما فرضتم أو فعليكم نصف ما فرضتم، و ( ما ) اسم موصول بمعنى الذي مضاف إليه.


الصفحة التالية
Icon