[ ٢٠ ] الربا جريمة اجتماعية خطيرة
﴿ الرباوا ﴾ : الربا في اللغة : الزيادة مطلقاً، يقال ربا الشيء يربو : إذا زاد، ومنه قوله تعالى :﴿ اهتزت وَرَبَتْ ﴾ [ الحج : ٥ ] أي زادت، وفي الحديث « إلاّ رَبَا من تحتها » أي زاد الطعام الذي دعا فيه النبي ﷺ بالبركة، وأربى الرجل : إذا تعامل بالربا.
وفي الشرع : زيادة يأخذها المقرض من المستقرض مقابل الأجل.
﴿ يَتَخَبَّطُهُ ﴾ : التخبط معناه الضرب على غير استواء كخبط البعير الأرض بيده، ويقال للذي يتصرف في أمرٍ ولا يهتدي فيه إنه يخبط خبط عشواء، وتخبّطه الشيطان إذا مسّه بخبل أو جنون، وتسمّى إصابة الشيطان خبطة.
﴿ المس ﴾ : الجنون يقال : مُسّ الرجل فهو ممسوس وبه مسٌ، وأصله من المسّ باليد، كأن الشيطان يمسّ الإنسان فيحصل له الجنون.
قال الراغب : وكنّي بالمس عن الجنون، وفي قوله :« يتخبطه الشيطان من المس » والمسّ يقال في كل ما ينال الإنسان من أذى.
﴿ مَوْعِظَةٌ ﴾ : الموعظة : بمعنى الوعظ وهو التذكير بالخير فيما يرق له القلب.
﴿ سَلَفَ ﴾ : أي مضى وتقدم، والمعنى : من انتهى عن التعامل بالربى فإن الله تعالى يعفو ويصفح عمّا مضى من ذنبه قبل نزول آية التحريم.
﴿ يَمْحَقُ ﴾ : المحق : النقص والذهاب، ومنه المحاق في الهلال يقال : محقه إذا أنقصه وأذهب بركته والمراد أن الله أوعد المرابي بإذهاب ما له وإهلاكه وفي الحديث الشريف :« إن الربا وإن كثر فعاقبته إلى قلّ ».
﴿ وَيُرْبِي الصدقات ﴾ : أي يزيدها وينميها ويكثر ثوابها بالتضعيف في الآخرة.
﴿ أَثِيمٍ ﴾ : أي كثير الإثم وهو المتمادي في ارتكاب المعاصي، المصر على الذنوب.
﴿ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ ﴾ : أي أيقنوا بحربٍ من الله ورسوله، وهذا وعيد لمن لم يذر الربى.
﴿ ذُو عُسْرَةٍ ﴾ : العُسرة الفقر والضيق يقال : أعسر الرجل إذا افتقر.
﴿ فَنَظِرَةٌ ﴾ : أي فواجب تأخيره وانتظاره يقال : أنظره إذا أمهله وأخره.
﴿ مَيْسَرَةٍ ﴾ : أي غنى ويسار، والمعنى : إذا كان المستدين معسراً فأخروه إلى وقت السعة والغنى ولا تأخذوا منه إلا رأس المال.
المعنى الإجمالي
يخبر الولي جل وعلا المرابين، الذي يتعاملون بالربا فيمتصون دماء الناس، بأنهم لا يقومون من قبورهم يوم القيامة، إلاّ كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له، يتعثر ويقع ولا يستطيع أن يمشي سوياً، لأن به مساً من الشيطان، ذلك التخبط والتعثر بسبب أنهم استحلوا الربا الذي حرّمه الله، فقالوا : الربا مثل البيع فلماذا يكون حراماً؟ وقد ردّ الله تعالى عليهم هذه الشبهة السقيمة بأن البيع تبادل منافع وقد أحلّه الله، والربا زيادة مقتطعة من جهد المدين أو من لحمه وقد حرمه الله، فكيف يتساويان؟!
ثم أخبر تعالى بأن من جاءته الموعظة والذكرى، فانتهى عمّا كان قبل التحريم، فإن الله تعالى يعفو ويغفر له، ولا يؤاخذه عمّا أخذ من الربا، وأمّا من تعامل بالربا بعد نهي الله عنه فإنه يستوجب العقوبة الشديدة بالخلود في نار جهنم لاستحاله ما حرمه الله.