وقد أوعد الله المرابي بمحق ماله، إمّا بإذهابه بالكلية، أو بحرمانه بركة ماله، « فالربا وإن كثر فعاقبته إلى قلّ » كما بيّن صلوات الله وسلامه عليه، فلا بدّ أن يزهقه الله ويمحقه لأنه خبيث ﴿ قُل لاَّ يَسْتَوِي الخبيث والطيب وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخبيث ﴾ [ المائدة : ١٠٠ ] وأمّا المتصدّق فالله يبارك له في ماله وينميّه، والله لا يحب كفور القلب، أثيم القول والفعل. ثمّ جاء الوعيد والتهديد الشديد لمن تعامل بالربا، وخاصة إذا كان هذا الشخص من المؤمنين، فالربا والإيمان لا يجتمعان، ولهذا أعلن الله الحب على المرابين ﴿ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أموالكم لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ ﴾.
فأي مسلم يسمع مثل هذا الوعيد ثم يتعامل بالربا؟! اللهم احفظنا من هذه الجريمة الشنيعة، وطهّرنا من أكل السحت والتعامل بالربا إنك سميع مجيب الدعاء اللهم آمين.
سبب النزول
١ - كان العباس وخالد بن الوليد شريكين في الجاهلية، يسلفان في الربا إلى ناسٍ من ثقيف، فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا، فأنزل الله هذه الآية ﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرباوا إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ ﴾ فقال النبي ﷺ :« ألا إنّ كل رباً من ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعه ربا العباس، وكل دم من دم الجاهلية موضوع، وأول دم أضعه دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ».
وجوه القراءات
١ - قرأ الجمهور ﴿ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ ﴾ وقرأ حمزة وعاصم ( فآذنوا بحرب ) بالمد.
قال الزجاج : من قرأ ﴿ فَأْذَنُواْ ﴾ بالقصر، فالمعنى : أيقنوا، ومن قرأ بالمد فمعناه أعلموا.
٢ - قرأ الجمهور ﴿ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ ﴾ وروي عن عاصم بضم الأولى وفتح الثانية.
٣ - قرأ الجمهور ﴿ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ ﴾ بتسكين السين، وضمها أبو جعفر ( عُسُرة ).
٤ - قرأ الجمهور ﴿ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ﴾ بضم التاء، وقرأ أبو عمرو بفتحها ( تَرْجعون ).
وجوه الإعراب
أولاً : قوله تعالى :﴿ الذين يَأْكُلُونَ الرباوا ﴾ مبتدأ وجملة ﴿ لاَ يَقُومُونَ ﴾ خبره، والكاف في موضع نصب صفة لمصدر محذوف تقديره : إلاّ قياماً مثل قيام الذي يتخبطه الشيطان.
ثانياً : قوله تعالى :﴿ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ ﴾ جواب الشرط محذوف تقديره : إن كنتم مؤمنين فذروا.
ثالثاً : قوله تعالى :﴿ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ ﴾ كان هنا تامة بمعنى إن حدث ذو عسرة.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : المراد بالأكل في الآية الكريمة مطلق الأخذ والتصرف، وعبّر به هنا ﴿ الذين يَأْكُلُونَ الرباوا ﴾ لأنه الغرض الأساسي من المال، وما عداه من سائر الوجوه فتبع، وقد شاع هذا الإطلاق يقال لمن تصرف في مال غيره بدون حق : أكله، وهضمه.