اللطيفة الثانية : تشبيه المرابين بالمصروعين، الذين يتخبطهم الشيطان، فيه لطيفة وهي أن الله عزّ وجل أربى في بطونهم ما أكلوا من الربا فأثقلهم، فصاروا مخبلين ينهضون ويسقطون وتلك سيماهم يوم القيامة يعرفون بها، قال سعيد بن جبير : تلك علامة آكل الربا يوم القيامة.
اللطيفة الثالثة : في قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا البيع مِثْلُ الرباوا ﴾ تشبيه لطيف يسمى ( التشبيه المقلوب ) وهو أعلى مراتب التشبيه حيث يصبح المشبّه مشبهاً به مثل قولهم : القمر كوجه زيد، والبحر ككفه، على حدّ قول القائل :
فعيناكِ عيناها وجيدُكِ جيدها | سوى أنّ عظم الساق منك دقيق |
اللطيفة الرابعة : النكتة في الآية الكريمة ﴿ يَمْحَقُ الله الرباوا وَيُرْبِي الصدقات ﴾ أنّ المرابي يطلب الربا زيادة المال، ومانع الصدقة إنما يمنعها لطلب زيادة المال، فبيّن سبحانه أن الربا سبب النقصان دون النماء، وأن الصدقة سبب النماء دون النقصان، والزيادة والنقصان إنما يكونان باعتبار العاقبة والنفع في الدارين.
اللطيفة الخامسة : قوله تعالى :﴿ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ ﴾ تنكير الحرب للتفخيم وقد زادها فخامة وهؤلاً، نسبتُها إلى اسم الله الأعظم، وإلى رسوله الذي هو أشرف خليقته ﷺ، أي أيقنوا بنوع من الحرب عظيم لا يقادر قدره، كائن من عند الله ورسوله، ومن حاربه الله ورسوله لا يفلح أبداً، وفيه إيماء إلى سوء الخاتمة إن دام على أكل الربا.
قال ابن عباس : يقال الآكل الربا يوم القيامة خذ سلاحك للحرب.
اللطيفة السادسة : قوله تعالى :﴿ والله لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾ صيغة كفّار ( فعّال ) وصيغة أثيم ( فعيل ) كلاهما من صيغ المبالغة معناهما كثير الكفر والإثم، وفي الآية تغليظ لأمر الربا، وإيذانٌ بأنه من فعل الكفّار لا من فعل المسلمين.
اللطيفة السابعة : رغّب الله تعالى في إنظار المستدين المعسر ﴿ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ ﴾ وكذلك جاءت السنة المطهرة فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال :« كان رجلٌ يداين الناس، فكان يقول لفتاه : إذا أتيت معسراً فتجاوز عنه لعلّ الله أن يتجاوز عنّا، فلقي الله فتجاوز عنه ».
قال المهايمي :« فإذا استوفى الدائن حقه بالتضييق على المديون، استوفى الله منه حقوقه بالتضييق، وإن سامحه فالله أولا بالمسامحة ».
اللطيفة الثامنة : قال بعض العلماء : من تأمل هذه الآيات وما اشتملت عليه من عقوبة أهل الربا ومستحليه، أكبَرَ جرمَهُ وإثمه، فقد ترتب عليه قيامهم في الحشر مخبلين، وتخليدهم في النار، ونبذهم بالكفر، والحرب من الله ورسوله، واللعنة الدائمة لهم، وكذلك الذم والبغض، وسقوط العدالة وزوال الأمانة، وحصول القسوة والغلظة، والدعاء عليه ممن ظلمه، وذلك سبب لزوال الخير والبركة، فما أقبح هذه المعصية، وأعظم جرمها، وأشنع عاقبتها؟!
اللطيفة التاسعة : ختمت آيات الربا بهذه الآية الكريمة ﴿ واتقوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ توفى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ وهي آخر آية نزلت من القرآن، وعاش بعدها النبي ﷺ تسع ليال ثم انتقل إلى الرفيق الأعلى، وفي هذه الآية تذكير بالوقفة الرهيبة بين يدي أحكم الحاكمين