وقد أكد تعالى الأمر بتقوى الله في موطنين : في أول الآية وفي آخرها ليشير إلى عظم حق الله على عباده، كما قرن تعالى بين التقوى وصلة الرحم ﴿ واتقوا الله الذي تَسَآءَلُونَ بِهِ والأرحام ﴾ ليدل على أهمية هذه الرابطة العظيمة ( رابطة الرحم ) فعلى الإنسان أن يرعي هاتين الرابطتين : رابطة الإيمان بالله، ورابطة القرابة والرحم، ولو أدرك الناس هذا لعاشوا في سعادة وأمان، ولما كان هناك حروب طاحنة مدمرة، تلتهب الأخضر واليابس، وتقضي على الكهل والوليد!
وقد عقّب تعالى في الآية الثانية على ( حق اليتامى ) فأمر بالمحافظة على أموالهم، وعدم الاعتداء عليها لأنهم بحاجة إلى رعاية وحماية، وإلى مساعدة ومواساة، فإن الطفل اليتيم ضعيف، وظلم الضعيف ذنب عظيم عند الله.
ثم أمر تعالى الرجال إذا كان في حجْر أحدهم يتيمة، ورغب في الزواج بها، وخاف ألا يعطيها مهر مثلها، أو يعدل إلى ما سواها من النساء، فلم يضيّق الله عليه، وأباح له أن يتزوج اثنتين، وثلاثاً، إلى أربع، فإذا خشي عدم العدل فعليه أن يقتصر على واحدة.
وختم تعالى هذه الآيات بأمر الرجال بإعطاء النساء مهورهن عن طيب نفس، عطّية وهبة بسخاء، لا منّة فيها ولا استعلاء، فإذا طابت نفوسهن عن شيء منه فليأكله الزوج حلالاً طيباً.
سبب النزول
أولاً : روي أن رجلاً من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ يتيم، فلما بلغ طلب ماله فمنعه، فخاصمه إلى النبي ﷺ فنزلت الآية ﴿ وَآتُواْ اليتامى أَمْوَالَهُمْ... ﴾ قاله سعيد بن جبير.
ثانياً : عن عائشة رضي الله عنها :« أن رجلاً كانت له يتيمة فنكحها وكان لها عذق، وكان يمسكها عليه، ولم يكن لها من نفسه شيء، فنزلت فيه ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي اليتامى... ﴾.
ثالثاً : وروى البخاري عن ( عروة بن الزبير ) أنه سأل عائشة عن قول الله تعالى ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي اليتامى ﴾ فقالت : يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها، تشركه في ماله، ويعجبه مالها وجمالها، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا عن ذلك إلاّ أن يقسطوا لهن، ويبلغوا لهن أعلى سنتهن في الصداق، فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن.. وإن الناس استفتوا رسول الله ﷺ بعد هذه الآية فأنزل الله ﴿ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النسآء... ﴾ [ النساء : ١٢٧ ] الآية.
وجوه القراءات
١ - قرأ الجمهور ﴿ تَسَآءَلُونَ بِهِ ﴾ بالتخفيف، وقرأ ابن كثير ونافع ( تَسّاءلون به ) بالتشديد.