قال الزجاج : فمن قرأ بالتشديد أدغم التاء في السين لقرب مكانهما، ومن قرأ بالتخفيف حذف التاء الثانية لاجتماع التاءين.
٢ - قرأ الجمهور ﴿ والأرحام ﴾ بالنصب على معنى واتقوا الأرحام، وقرأ الحسن وحمزة ( والأرحامِ ).
قال الزجاج : الخفض في ( الأرحام ) خطأ في العربية لا يجوز إلا في اضطرار الشعر، وخطأ في الدين لأن النبي ﷺ قال :« لا تحلفوا بآبائكم » وإليه ذهب الفراء.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : إنما سميت هذه السورة ( سورة النساء ) لأن ما نزل منها في أحكامهن أكثر ممّا نزل في غيرها من السور، وفي الافتتاح بتذكير الناس أنهم خلقوا من نفسٍ واحدة، تمهيد جميل وبراعة مطلع لما في السورة من أحكام الأنكحة، والمواريث، والحقوق الزوجية، وأحكام تتعلق بالنسب والمصاهرة وغيرها من الأحكام الشرعية.
اللطيفة الثانية : الناس جميعاً يجمعهم نسب واحد، ويرجعون إلى أصل واحد هو ( آدم ) عليه السلام، ونظرية ( النشوء والتطور ) التي اخترعها اليهودي ( داروين ) تعارض صريح القرآن، القائل ﴿ خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ فقد زعم ( داروين ) أن الإنسان بدأت حياته بجرثومة ظهرت على سطح الماء، ثم تحولت إلى حيوان صغير، ثم تدرّج هذا الحيوان فأصبح ضفدعاً، فسمكة، فقرداً، ثم ترقى هذا القرد فصار إنساناً.. إلخ فهذه النظرية مجرد افتراضات وهمية، ردّها العلماء بالأدلة القاطعة.
اللطيفة الثالثة : سميت حواء لأنها خلقت من حي كما قال تعالى :﴿ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ﴾ وهذا رأي الجمهور، وأنكر ( أبو مسلم ) خلقها من ضلع آدم وقال : أي فائدة في خلقها من الضلع والله قادر على أن يخلقها من التراب؟ وزعم أن قوله تعالى :﴿ وَخَلَقَ مِنْهَا ﴾ أي من جنسها، وإلى هذا الرأي ذهب الشيخ ( محمد عبده ) في « تفسير المنار »، وهو باطل إذ لو كان تأويل الآية كذلك لكان الناس مخلوقين من نفسين لا من نفسٍ واحدة، وهو خلاف النص، وخلاف ما نطقت به الأحاديث الصحيحة « إنّ المرأة خلقت من ضلع أعوج ».
وأما الفائدة فهي بيان قدرة الله تعالى أنه قادر على أن يخلق حياً من حي لا على سبيل التوالد، كما أنه قادر على أن يخلق حياً من جماد كذلك، فآدم خلق من تراب، وعيسى خلق من أنثى بدون رجل، وحواء خلقت من رجل بدون أنثى، والله على كل شيء قدير.
اللطيفة الرابعة : التعبير عن الحلال والحرام بالخبيث والطيب ﴿ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الخبيث بالطيب ﴾ للتنفير من أكل أموال اليتامى والترغيب فيما رزقهم الله من الكسب الحلال بالاكتفاء به وعدم التشوف إلى مال اليتيم فإنه ظلم وسحت.
اللطيفة الخامسة : قال أبو السعود :« أوثر التعبير عن الكبار باليتامى ﴿ وَآتُواْ اليتامى أَمْوَالَهُمْ ﴾ لقرب العهد بالصغر وللإشارة إلى وجوب المسارعة والمبادرة بدفع أموالهم إليهم، حتى كأنّ اسم اليتيم باق غير زائل عنهم ».