﴿ وابتلوا اليتامى حتى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فادفعوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾ [ النساء : ٦ ] فقد شرطت البلوغ، وإيناس الرشد، والحكمة أن الصغير لا يحسن التصرف في ماله وربما صرفه في غير وجوه النفع، وللعلماء في تفسير هذه الآية وجهان :
الوجه الأول : أن يكون المراد باليتامى البالغين الذين بلغوا سن الرشد، وسمّوا يتامى ( مجازاً ) باعتبار ما كان أي الذين كانوا أيتاماً.
الوجه الثاني : أن المراد باليتامى الصغار، الذين هم دون سن البلوغ، والمراد بالإيتاء الإنفاق عليهم بالطعام والكسوة، أو المراد بالإيتاء ترك الأموال وحفظها لهم وعدم التعرض لها بسوء. وهذا الوجه قوي وذلك أن بعض الأوصياء كانوا يتعجلون في إنفاق مال اليتيم وتبذيره، فأمروا بالحفاظ عليه واستثماره فيما يعود بالنفع على اليتيم، حتى إذا بلغ سن الرشد سلّموه له تاماً موفوراً، ولعلّ الوجه الأول أقوى وأرجح والله أعلم.
الحكم الثالث : هل الأمر في قوله تعالى :﴿ فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ ﴾ للوجوب أم للإباحة؟
ذهب الجمهور إلى أن الأمر في قوله تعالى :﴿ فانكحوا ﴾ للإباحة مثل الأمر في قوله تعالى :﴿ وَكُلُواْ واشربوا ﴾ [ البقرة : ١٨٧ ] وفي قوله :﴿ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [ البقرة : ٥٧ ].
وقال أهل الظاهر : النكاح واجب وتمسكوا بظاهر هذه الآية، لأن الأمر للوجوب، وهم محجوبون بقوله تعالى :﴿ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً ﴾ إلى قوله :﴿ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ [ النساء : ٢٥ ].
قال الإمام الفخر :« فحكَمَ تعالى بأن ترك النكاح في هذه الصورة خيرٌ من فعله، فدل ذلك على أنه ليس بمندوب فضلاً عن أنه واجب ».
الحكم الرابع : ما معنى قوله تعالى :﴿ مثنى وثلاث ورباع ﴾ ؟
اتفق علماء اللغة على أن هذه الكلمات من ألفاظ العدد، وتدل كل واحدة منها على المذكور من نوعها، فمثنى تدل على اثنين اثنين، وثُلاث تدل على ثلاثة ثلاثة، ورُباع تدل على أربعة أربعة، والمعنى : انكحوا ما اشتهت نفوسكم من النساء، ثنتين ثنتين، وثلاثاً ثلاثاً، وأربعاً أربعاً حسبما تريدون.
قال الزمخشري : ولما كان الخطاب للجميع وجب التكرير ليصيب كل ناكح يريد الجمع ما أراد من العدد، كما تقول للجماعة : اقتسموا هذا المال وهو ألف درهم : درهمين درهمين، وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة، ولو أفردت لم يكن له معنى. أي لو قلت للجَمع اقتسموا المال الكثير درهمين لم يضح الكلام، فإذا قلت : درهمين درهمين كان المعنى أن كل واحد يأخذ درهمين فقط لا أربعة دراهم.
وفي هذه الآية دلالة على حرمة الزيادة على أربع، وقد أجمع العلماء والفقهاء على ذلك ولا يقدح في هذا الإجماع ما ذهب إليه بعض المبتدعة من جواز التزوج بتسع نسوة بناء على أن الواو للجمع وأن المراد أن يجمع الإنسان اثنتين وثلاثاً وأربعاً.


الصفحة التالية
Icon