ثم حذَّر تعالى الأوصياء من الظلم للأيتام الذين جعلهم الله تحت رعايتهم ووصايتهم، وأمرهم بالإحسان إليهم، فكما يخشى الإنسان على أولاده الصغار الضعاف بعد موته، عليه أن يتقي الله في هؤلاء الأيتام فكأنه تعالى يقول : افعلوا باليتامى، كما تحبون أن يفعل بأولادكم من بعدكم.
ثم ختم تعالى الآيات ببيان جزاء الظالمين الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً وعدواناً، وبيّن أنهم إنما يأكلون ناراً تتأجج في بطونهم يوم القيامة، وسيدخلون السعير وهي نار جهنم المستعرة أعاذنا الله منها.
سبب النزول
أولاً : كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء، ولا الولدان الصغار شيئاً، ويجعلون الميراث للرجال الكبار فأنزل الله ﴿ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون... ﴾ الآية.
ثانياً : وروي عن ابن عباس أنه قال :« كان أهل الجاهلية لا يورثون البنات ولا الصغار الذكور حتى يدركوا، فمات رجل من الأنصار يقال له :( أوس بن ثابت ) وترك ابنتين وابناً صغيراً فجاء ابنا عمه فأخذوا ميراثه كله. فقالت امرأته لهما تزوجا بهما - وكان بهما دمامة - فأبيا فأتت رسول الله ﷺ فأخبرته فنزلت الآية :﴿ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون ﴾ فأرسل الرسول ﷺ إليهما فقال لهما : لا تحركا من الميراث شيئاً فقد أخبرت أن للذكر والأنثى نصيباً، ثم نزل قوله تعالى :﴿ يُوصِيكُمُ الله في أولادكم ﴾ [ النساء : ١١ ].
وجوه القراءات
١ - قرأ الجمهور ﴿ التي جَعَلَ الله لَكُمْ قياما ﴾، وقرأ نافع وأهل المدينة ( قِيَماً ) بدون ألف.
٢ - قرأ الجمهور ﴿ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً ﴾ بضم الراء، وقرأ السلمي ( رَشَداً ) بفتح الراء والشين.
٣ - قرأ الجمهور ﴿ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ﴾ وقرأ ابن عامر وعاصم ( وسَيُصْلُون ) بالبناء للمجهول.
وجوه الإعراب
أولاً : قوله تعالى :﴿ إِسْرَافاً وَبِدَاراً ﴾ مفعول لأجله ويجوز أن تعرب حالاً أي لا تأكلوها مسرفين ومبادرين كبرهم، وقوله ( أن يكبروا ) في محل نصب ب ( بداراً ).
ثانياً : قوله تعالى :﴿ وكفى بالله حَسِيباً ﴾ الباء زائدة ولفظ الجلالة فاعل و ( حسبباً ) تمييز.
ثالثاً : قوله تعالى :﴿ نَصِيباً مَّفْرُوضاً ﴾ نصيباً منصوب على المصدر و ( مفروضاً ) صفة له.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : أضاف أموال اليتامى إلى الأوصياء مع أنها أموال اليتامى للتنبيه إلى التكافل بين أفراد الأمة، والحث على حفظ الأموال وعدم تضييعها، فإن تبذير السفيه للمال فيه مضرة للمجتمع، وهو كقوله تعالى :﴿ وَلاَ تقتلوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ [ النساء : ٢٩ ] عبّر عن قتل الغير بقتل النفس لهذه الرابطة بين أفراد المجتمع. قال الفخر الرازي :» المال شيء ينتفع به نوع الإنسان ويحتاج إليه، فلأجل هذه ( الوحدة النوعية ) حسنت إضافة أموال السفهاء إلى الأولياء «.