اللطيفة الثانية : لمّا كان المال سبباً لبقاء الإنسان وقيام شؤون حياته ومعاشه، سمّاه تعالى بالقيام إطلاقاً لاسم ( المسبَّب ) على ( السبب ) على سبيل المبالغة. ولهذا كان السلف يقولون : المال سلاح المؤمن، ولأن أترك مالاً يحاسبني الله عليه خيرٌ من أن أحتاج إلى الناس.
اللطيفة الثالثة : قال صاحب « الكشاف » :« الفائدة في تنكير الرشد التنبيه على أن المعتبر هو الرشد في التصرف والتجارة، أو على أن المعتبر هو حصول طرفٍ من الرشد، وظهور أثر من آثاره حتى لا ينتظر به تمام الرشد ».
اللطيفة الرابعة : لفظ ( استعفّ ) أبلغ من ( عفّ ) كأنه يطلب زيادة العفة قاله أبو السعود. وفي لفظ الاستعفاف، والأكل بالمعروف، ما يدل على أن للوصي حقاً لقيامه بتدبير مال اليتيم، وقد روي أن رجلاً جاء إلى رسول الله ﷺ فقال له :« إنّ في حجْري يتيماً أفآكل من ماله؟ قال : بالمعروف، غير متأثل مالاً، ولا واقٍ مالك بماله، قال : أفأضربه؟ قال : ممّا كنت ضارباً منه ولدك ».
اللطيفة الخامسة : في اختيار هذا الأسلوب التفصيلي، مع أنه كان يكفي أن يقول : للرجال والنساء نصيبُ مما ترك الوالدان والأقربون... إلخ للاعتناء بأمر النساء، والإيذان بآصالتهن في استحقاق الإرث، والمبالغة في إبطال حكم الجاهلية، فإنهم ما كانوا يورثون النساء والأطفال ويقولون : كيف نعطي المال من لا يركب فرساً، ولا يحمل سلاحاً، ولا يقاتل عدواً؟ فلهذا فصّل الله تعالى الحكم بطريق ( الإطناب ) فتدبر أسرار الكتاب المجيد.
اللطيفة السادسة : ذكر البطون مع أن الأكل لا يكون إلا فيها للتأكيد والمبالغة، فهو كقول القائل : أبصرتُ بعيني، وسمعتُ بأذني وكقوله تعالى :﴿ ولكن تعمى القلوب التي فِي الصدور ﴾ [ الحج : ٤٦ ] وقوله :﴿ ذلكم قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ ﴾ [ الأحزاب : ٤ ] وقوله :﴿ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ ﴾ [ الأنعام : ٣٨ ] والغرض من كل ذلك التأكيد والمبالغة، وفي الآية أيضاً تشنيع على آكل مال اليتيم حيث صرف المال في أخس الأشياء.
اللطيفة السابعة : قال القرطبي :« سمي المأكول ناراً باعتبار ما يؤول إليه كقوله تعالى :﴿ إني أراني أَعْصِرُ خَمْراً ﴾ [ يوسف : ٣٦ ] أي عنباً يؤول إلى الخمر، وقيل : المراد بالنار الحرام لأن الحرام يوجب النار فسمّاه الله تعالى باسمه ».
اللطيفة الثامنة : قال الفخر الرازي :« وما أشد دلالة هذا الوعيد ﴿ إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً ﴾ على سعة رحمته تعالى وكثرة عفوه وفضله، لأن اليتامى لما بلغوا في الضعف إلى الغاية القصوى بلغت عناية الله بهم إلى الغاية القصوى، وذلك كله من رحمة الله تعالى باليتامى ».
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : ما المراد بالسفهاء في الآية الكريمة؟
اختلف المفسرون في المراد بالسفهاء في الآية الكريمة، فقال بعضهم : المراد به الصبيان والأولاد الصغار الذين لم يكتمل رشدهم وهو منقول عن الزهري وابن زيد.