وقال الفرّاء وأبو عبيدة : العالَمُ عبارة عمن يعقل، وهم أربعة أمم :( الإنس، والجنّ، والملائكة، والشياطين ) ولا يقال للبهائم : عالَم لأن هذا الجمع جمع من يعقل خاصةً، قال الأعشى :( ما إن سمعت بمثلهم في العالمين ).
وقال بعض العلماء : كلّ صنف من أصناف الخلائق عالمٌ، فالإنس عالم، والجنّ عالم، والملائكة عالم، والطير عالم، والنبات عالم، والجماد عالم.. الخ فقيل : ربّ العالمين ليشمل جميع هذه الأصناف من العوالم.
﴿ الرحمن الرحيم ﴾ : اسمان من أسمائه تعالى مشتقان من الرحمة، ومعنى ﴿ الرحمن ﴾ : المنعم بجلائل النعم، ومعنى ﴿ الرحيم ﴾ : المنعم بدقائقها.
ولفظ ﴿ الرحمن ﴾ مبنيّ على المبالغة، ومعناه : ذو الرحمة التي لا نظير له فيها، لأن بناء ( فعلان ) في كلامهم للمبالغة، فإنهم يقولون للشديد الامتلاء : ملآن، وللشديد الشبَع : شبعان.
قال الخطّابي : ف ﴿ الرحمن ﴾ ذو الرحمة الشاملة التي وسعت الخلق في أرزاقهم ومصالحهم، وعمّت المؤمن والكافر.
و ﴿ الرحيم ﴾ خاص للمؤمنين كما قال تعالى :﴿ وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيماً ﴾ [ الأحزاب : ٤٣ ].
ولا يجوز إطلاق اسم ( الرحمن ) على غير الله تعالى لأنه مختص به جلّ وعلا، بخلاف الرحيم فإنه يطلق على المخلوق أيضاً قال تعالى :﴿ بالمؤمنين رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [ التوبة : ١٢٨ ] قال القرطبي :« وأكثرُ العلماء على أن الرحمن مختصّ بالله تعالى، لا يجوز أن يسمّى به غيره، ألا تراه قال :﴿ قُلِ ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن ﴾ [ الإسراء : ١١٠ ] فعادَل الاسم الذي لا يَشْركه فيه غيره :﴿ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرحمن آلِهَةً يُعْبَدُونَ ﴾ [ الزخرف : ٤٥ ] فأخبر الرحمن هو المستحق للعبادة جلّ وعزّ، وقد تجاسر ( مسيلمة الكذاب ) لعنه الله فتسمى ب ( رحمان اليمامة ) ولم يتسمّ به حتى قرع مسامَعه نعت الكذّاب، فألزمه الله ذلك حتى صار هذا الوصف لمسيلمة عَلَماً يُعرف به ».
﴿ يَوْمِ الدين ﴾ : يوم الجزاء والحساب، أي أنه سبحانه المتصرّف في يوم الدين، تصرّف المالك في ملكه، والدينُ في اللغة : الجزاءُ، ومنه قوله عليه السلام :« إفعل ما شئت كما تدين تدان » أي كما تفعل تجزى.
قال في « اللسان » : والدينُ : الجزاء والمكافأة، ويومُ الدين : يوم الجزاء، وقوله تعالى :﴿ أَإِنَّا لَمَدِينُونَ ﴾ [ الصافات : ٥٣ ] أي مجزيّون محاسبون، ومنه الديّان في صفة الله تعالى قال لبيد :

حصادك يوماً ما زرعت وإنما يُدان الفتى يوماً كما هو دائن
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ : نعبدُ : نذلّ ونخشع ونستكين، لأن العبودية معناها : الذلّة والاستعانة، مأخوذ من قولهم : طريق معبّد أي مذلّل وطئته الأقدام، وذلّلته بكثرة الوطء، حتى أصبح ممهداً.
قال الزمخشري : العبادة أقصى غاية الخضوع والتذلل، ومنه ثوبٌ ذو عَبَدة إذا كان في غاية الصفاقة وقوة النسج، ولذلك لم تستعمل إلاّ في الخضوع لله تعالى، لأنه مولى أعظم النعم. فكان حقيقاً بأقصى غاية الخضوع.
والمعنى : لك اللهمّ نذل ونخضع ونخصك بالعبادة لأنك المستحق لكل تعظيم وإجلال، ولا نعبد أحداً سواك.
﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ : الاستعانة : طلب العون، قال الفراء : أعنتهُ إعانةً، واستعنتهُ واستعنت به، وفي الدعاء : ربّ أعنّي ولا تُعِنْ عليّ، ورجل معوان : كثير الإعانة للناس، وفي حديث ابن عباس :( إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله )
والمعنى : إيّاك ربنا نستعين على طاعتك وعبادتك في أمورنا كلها، فلا يملك القدرة على عوننا أحد سواك، وإذا كان من يكفر بك يستعين بسواك، فنحن لا نستعين إلا بك.


الصفحة التالية
Icon