﴿ اهدنا ﴾ : فعل دعاء ومعناه : دلّنا على الصراط المستقيم، وأرشدنا إليه، وأرنا طريق هدايتك الموصلة إلى أنْسك وقُربك.
والهداية في اللغة : تأتي بمعنى الدلالة كقوله تعالى :﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فاستحبوا العمى عَلَى الهدى ﴾ [ فصلت : ١٧ ] وتأتي بمعنى الإرشاد وتمكين الإيمان في القلب كما قال تعالى :﴿ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ولكن الله يَهْدِي مَن يَشَآءُ... ﴾ [ القصص : ٥٦ ].
فالرسول ﷺ هادٍ بمعنى أنه دالّ على الله ﴿ وَإِنَّكَ لتهدي إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [ الشورى : ٥٢ ] ولكنه لا يضع الإيمان في قلب الإنسان. وفعل هدى يتعدى ب ( إلى ) وب ( اللام ) كقوله تعالى :﴿ فاهدوهم إلى صِرَاطِ الجحيم ﴾ [ الصافات : ٢٣ ] وقوله :﴿ الحمد للَّهِ الذي هَدَانَا لهذا ﴾ [ الأعراف : ٤٣ ] وقد يتعدّى بنفسه كما هنا ﴿ اهدنا الصراط ﴾.
﴿ الصراط المستقيم ﴾ : الصّراط : الطريقُ، وأصله بالسين ( السّراط ) من الاستراط بمعنى الابتلاع، سميّ بذلك لأنّ الطريق كأنه يبتلع السالك.
قال « الجوهري » : الصّراط، والسّراط، والزّراط : الطريق قال الشاعر :

وأحملهم على وَضِح الصّراط أي على وضح الطريق.
قال القرطبي : أصلُ الصراط في كلام العرب : الطريق، قال الشاعر :
شحنّا أرضهم بالخيل حتّى تركناهم أذلّ من الصراط
والعرب تستعير ( الصراط ) لكل قولٍ أو عملٍ وصف باستقامةٍ أو اعوجاج، والمراد به هنا ملّة الإسلام.
﴿ المستقيم ﴾ : الذي لا عوج فيه ولا انحراف، ومنه قوله تعالى :﴿ وَأَنَّ هذا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فاتبعوه... ﴾ [ الأنعام : ١٥٣ ] وكلّ ما ليس فيه اعوجاج يسمّى مستقيماً.
ومعنى الآية : ثبّتنا يا ألله على الإيمان، ووفقنا لصالح الأعمال، واجعلنا ممن سلك طريق الإسلام، الموصل إلى جنّات النعيم.
﴿ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ : النعمةُ : لينُ العيش ورغده، تقولُ : أنعمتُ عينَه أي سررتها، وأنعمتُ عليه بالغتُ في التفضيل عليه، والأصل فيه أن يتعدّى بنفسه، تقول :( أنعمتُه ) أي جعلته صاحب نعمة، إلاّ أنه لمّا ضمنِ معنى التفضل عليه عدّي بعلى ﴿ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾.
قال ابن عباس : هم النبيّون، والصدّيقون، والشهداء، والصالحون، وإلى هذا ذهب جمهور المفسّرين، وانتزعوا ذلك من قوله تعالى :﴿ وَمَن يُطِعِ الله والرسول فأولئك مَعَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النبيين والصديقين والشهدآء والصالحين وَحَسُنَ أولئك رَفِيقاً ﴾ [ النساء : ٦٩ ].
﴿ المغضوب عَلَيْهِم ﴾ : هم اليهود لقوله تعالى فيهم :﴿ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ الله ﴾ [ آل عمران : ١١٢ ] وقوله تعالى :﴿ مَن لَّعَنَهُ الله وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ القردة والخنازير... ﴾ [ المائدة : ٦٠ ].
﴿ الضآلين ﴾ : الضلاّل في كلام العرب هو الذهاب عن سَنَن القصد، وطريق الحق، والانحراف عن النهج القويم، ومنه قولهم : ضلّ اللبن في الماء أي غاب، قال تعالى :﴿ وقالوا أَءِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرض... ﴾ [ السجدة : ١٠ ] أي غبنا بالموت فيها وصرنا تراباً، وقال الشاعر :


الصفحة التالية
Icon