وقد أودع الله في الإنسان فطرة نقية تحجزه عن التفكير في محارمه فضلاً عن حب الاستمتاع بهن، ولولا ما عهد في الإنسان من الشذوذ والجناية على الفطرة، والعبث بها لكان للمرء أن يتعجب من تحريم الأمهات والبنات لأن هذا من قبيل المستحيلات في نظر الإنسان العاقل، سليم الفطرة والتفكير.
ثم إن هناك حكمة جسدية حيوية عظيمة، وهي أن تزوج الأقارب بعضهم ببعض يكون سبباً لضعف النسل، فإذا تسلسلت واستمرت يتسلسل الضعف والضوى ( النحافة ) حتى ينقرض النسل، وهذا ما أشار إليه الإمام الغزالي رحمه الله في كتابه « الإحياء » حيث قال :« إنّ من الخصال التي تطلب مراعاتها في المرأة أن لا تكون من القرابة القريبة، فإن الولد يُخْلق ضاوياً أي ( نحيفاً ) وعلّل ذلك بأن الشهوة إنما تنبعث بقوة الإحسان بالنظر أو اللمس، وإنما يقوى الإحساس بالأمر الغريب الجديد، فأما المعهود فإنه يضعف الحسّ ولا تنبعث به الشهوة » وهو تعليل دقيق أقره العلم الحديث.
وأمّا المحرمات بالمصاهرة فإن الله تعالى أكرم البشرية بهذه الرابطة الإنسانية، وامتنّ على الناس بقرابة الصهر، التي تجمع بين النفوس المتباعدة المتنافرة بروابط الألفة والمحبة ﴿ وَهُوَ الذي خَلَقَ مِنَ المآء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً ﴾ [ الفرقان : ٥٤ ] فإذا تزوج الرجل من عشيرة صار كأحد أفرادها، فينبغي أن تكون أم زوجته بمنزلة أمه في الاحترام، وبنتها التي في حجره كبنته من صلبه، وكذلك ينبغي أن تكون زوجة ابنه بمنزلة ابنته وهكذا.
ومن القبح جداً أن تكون البنت ضرة لأمها، والابن طامعاً في زوجة أبيه، فإن ذلك ينافي حكمة المصاهرة، ويكون سبب فساد العشيرة.
وأما المحرمات بالرضاع فإن الحكمة فيهن ظاهرة، وهي أن من رضع من امرأة كان بعض بدنه جزءاً منها، لأن تكوّن من لبنها فصارت في هذا كأمه التي ولدته، وصار أولادها إخوة له لأن لتكوين أبدانهم أصلاً واحداً هو ذلك اللبن والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon