[ ٤ ] وسائل معالجة الشقاق بين الزوجين
التحليل اللفظي
﴿ قوامون ﴾ : قوّام : صيغة مبالغة من القيام على الأمر بمعنى حفظه ورعايته، فالرجل قوام على امرأته كما يقوم الوالي على رعيته بالأمر والنهي، والحفظ والصيانة.
﴿ قانتات ﴾ : أصل القنوت دوام الطاعة، ومنه القنوت في الصلاة والمراد أنهن مطيعات لله ولأزواجهن.
﴿ نُشُوزَهُنَّ ﴾ : عصيانهن وترفعهن عن طاعتكم، وأصل النشز المكان المرتفع ومنه تلّ ناشز أي مرتفع.
قال في « اللسان » : النشوز يكون بين الزوجين، وهو كراهة كل واحد منهما صاحبه، واشتقاقه من النَشَز وهو ما ارتفع من الأرض، ونشز الرجل إذا كان قاعداً فنهض قائماً ومنه قوله تعالى :﴿ وَإِذَا قِيلَ انشزوا فَانشُزُواْ ﴾ [ المجادلة : ١١ ].
﴿ فَعِظُوهُنَّ ﴾ : أي ذكّروهن بما أوجب الله عليهن من الطاعة وحسن العشرة للأزواج.
﴿ المضاجع ﴾ : المراد بهجر المضاجع هجر الفراش والمضاجعة.
قال ابن عباس : الهجر في المضاجع هو أن يضاجعها ويوليها ظهره ولا يجامعها. وقيل : أن يعزل فراشه عن فراشها.
﴿ شِقَاقَ ﴾ : الشقاق : الخلاف والعداوة وهو مأخوذ من الشق بمعنى الجانب، لأن كلاً من المتخالفين يكون في شق غير شق الآخر بسبب العداوة والمباينة.
﴿ حَكَماً ﴾ : الحكم من له حق الحكم والفصل بين الخصمين المتنازعين.
﴿ والجار الجنب ﴾ : الجار البعيد أو الذي ليس له قرابة تربطه بجاره وأصله من الجنابة ضد القرابة.
﴿ والصاحب بالجنب ﴾ : هو الرفيق في السفر، أو طلب العلم، أو الشريك وقيل : هي الزوجة.
﴿ مُخْتَالاً فَخُوراً ﴾ : قال ابن عباس : المختال البطر في مشيته، والفخور المفتخر على الناس بكبره.
المعنى الإجمالي
يقول الله جل ثناؤه ما معناه : الرجال لهم درجة الرياسة على النساء، بسبب ما منحهم الله من العقل والتدبير، وخصّهم به من الكسب والإنفاق، فهم يقومون على شؤون النساء كما يقوم الولاة على الرعايا بالحفظ والرعاية وتدبير الشؤون. ثمّ فصّل تعالى حال النساء تحت رياسة الرجل، وذكر أنهن قسمان : قسم صالحات مطيعات، وقسم عاصيات متمردات، فالنساء الصالحات مطيعات للأزواج، حافظات لأوامر الله، قائمات بما عليهن من حقوق، يحفظن أنفسهن عن الفاحشة، وأموال أزواجهن عن التبذير في غيبة الرجال، فهنّ عفيفات، أمينات، فاضلات.
وأما القسم الثاني وهنّ النساء الناشزات المتمردات المترفعات على أزواجهن، اللواتي يتكبرن ويتعالين عن طاعة الأزواج، فعليكم أيها الرجال أن تسلكوا معهن طريق النصح والإرشاد، فإن لم يجد الوعظ والتذكير فعليكم بهجرهن في الفراش مع الإعراض والصد، فلا تكلموهن ولا تقربوهن، فإذا لم يرتدعن بالموعظة ولا بالهجران فلكم أن تضربوهن ضرباً غير مبّرح، ضرباً رفيقاً يؤلم ولا يؤذي، فإن أطعنكم فلا تلتمسوا طريقاً لإيذائهن، فإن الله تعالى العلي الكبير أعلى منكم وأكبر، وهو وليهن ينتقم ممن ظلمهم وبغى عليهن.
ثمّ بيّن تعالى حالةً أخرى، وهي ما إذا كان النفور لا من الزوجة فحسب بل من الزوجين، فأمر بإرسال ( حكمين ) عدلين، واحد من أقربائها والثاني من أقرباء الزوج، ليجتمعا وينظرا في أمرهما ويفعلا ما فيه المصلحة، إن رأيا التوفيق وفّقا، وإن رأيا التفريق فرّقا، فإذا كانت النوايا صحيحة، والقلوب ناصحة بورك في وساطتهما، وأوقع الله بطيب نفسهما وحسن سعيهما الوفاق والألفة بين الزوجين، وما شرعه الله إنما جاء وفق الحكمة والمصلحة لأنه من حكيم خبير.