ثم ختم تعالى هذه الآيات بوجوب عبادته تعالى وعدم الإشراك به، وبالإحسان إلى الوالدين، وإلى الأقرباء واليتامى والمساكين، ومن له حق الجوار من الأقارب والأباعد.
سبب النزول
نزلت الآية الكريمة في ( سعد بن الربيع ) مع امرأته ( حبيبة بنت زيد ) وكان سعد من النقباء وهما من الأنصار، وذلك أنها نشزت عليه فلطمها، فانطلق أبوها معها إلى النبي ﷺ فقال :« أفرشته كريمتي فلطمها، فقال النبي ﷺ :» لتقتصّ من زوجها « فانصرفت مع أبيها لتقتصّ منه، فقال النبي ﷺ ارجعوا هذا جبريل أتاني وأنزل الله ﴿ الرجال قوامون عَلَى النسآء ﴾ فقال النبي ﷺ :» أردنا أمراً، وأراد الله أمراً، والذي أراد الله خير « ورفع القصاص.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : علّل تعالى قوامة الرجال على النساء بتعليلين :
أحدهما : وهبي، والآخر كسبي، وأورد العبارة بصيغة المبالغة ﴿ قوامون عَلَى النسآء ﴾، للإشارة إلى كامل الرئاسة والولاية عليهن كما يقوم الولاة على الرعايا، فلهم حق الأمر، والنهي، والتدبير والتأديب، وعليهم كامل المسؤولية في الحفظ والرعاية والصيانة، وهذا هو السر في مجيء الجملة اسمية.
اللطيفة الثانية : قال صاحب »
الكشاف « : ذكروا في فضل الرجال أموراً منها : العقل، والحزم، والعزم، والقوة، وأن منهم الأنبياء، وفيهم الإمامة الكبرى، والصغرى، والجهاد، والأذان، والخطبة، والشهادة في الحدود، والقصاص، والزيادة في الميراث، والولاية في النكاح، وإليهم الانتساب، وغير ذلك.
اللطيفة الثالثة : ورد النظم الكريم ﴿ بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ ﴾ ولو قال »
بما فضلهم عليهن « أو قال » بتفضيلهم عليهن « لكان أوجز وأخصر، ولكنّ التعبير يورد بهذه الصيغة لحكمة جليلة، وهي إفادة أن المرأة من الرجل، والرجل من المرأة بمنزلة الأعضاء من جسم الإنسان، فالرجل بمنزلة الرأس، والمرأة بمنزلة البدن، ولا ينبغي أن يتكبر عضو على عضو لأن كل واحد يؤدي وظيفته في الحياة، فالأذن لا تغني عن العين، واليد لا تغني عن القدم، ولا عار على الشخص أن يكون قلبه أفضل من معدته، ورأسه أشرف من يده، فالكل يؤدي دوره بانتظام، ولا غنى لواحدٍ عن الآخر. ثم للتعبير حكمة أخرى وهي الإشارة إلى أن هذا التفضيل إنما هو للجنس، لا لجميع أفراد الرجال على جميع أفراد النساء، فكم من امرأة تفضل زوجها في العلم، والدين، والعمل، وكما يقول الشاعر :


الصفحة التالية
Icon