ولو كان النساء كمن ذكرنا لفضلت النساء على الرجال
وبهذين المعنيين اللذين ذكرناهما ظهر أن الآية في نهاية الإيجاز والإعجاز.
اللطيفة الرابعة : لم يذكر الله تعالى في الآية إلاّ ( الإصلاح ) ولم يذكر ما يقابله وهو ( التفريق ) بين الزوجين، وفي ذلك لطيفة دقيقة، وإرشاد من الله تعالى للحكمين إلى أنه ينبغي أن لا يدَّخراً وسعاً في الإصلاح، فإن في التفريق خراب البيوت، وفي التوفيق الألفة والمودة والرحمة، وغرضُ الإسلام جمع القلوب على المحبة والوئام.
اللطيفة الخامسة : قال الزمخشري :« وإنما كان الحكمان من أهلهما، لأن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال، وأطلب للصلاح، وإليهم تسكن نفوس الزوجين، ويبرز إليهم ما في ضمائرهما من الحب والبغض، وإرادة الصحبة والفرقة، وموجبات ذلك ومقتضياته، وما يزويانه عن الأجانب، ولا يحبان أن يطلعوا عليه ».
اللطيفة السادسة : ذكر الشعبي أن شريحاً تزوج امرأة من بني تميم يقال لها ( زينب ) فلما تزوجها ندم حتى أراد أن يرسل إليها بطلاقها، ثم قال : لا أعجل حتى يجاء بها، فلما جيء بها تشهّدت ثم قالت : أما بعد فقد نزلنا منزلاً لا ندري متى نظعن منه، فانظر الذي تكره، هل تكره زيارة الأخْتان؟ فقلت : إني شيخ كبير لا أكره المرافقة، وإني لأكره ملال الأخْتان، قال : فما شرطتُ شيئاً إلاّ وفت به، فأقامت سنة ثم جئت يوماً ومعها في الحَجَلة إنس، فقلت : إنّا لله، فقالت : أبا أمية إنها أمي، فسلّم عليها فقالت : انظر فإن رابك شيء منها فأوجع رأسها، قال : فصحبتني ثم هلكت قبلي، قال : فوددت أني قاسمتها عمري، أو مت أنا وهي في يوم واحد، وأنشد شريح :
رأيت رجالاً يضربون نساءهم فشلّت يميني حين أضرب زينباً
الحكم الأول : ما هي الخطوات التي أرشد إليها الإسلام لمعالجة نشوز المرأة؟
أرشدت الآية الكريمة إلى الطريقة الحكيمة في معالجة نشوز المرأة ودعت إلى الخطوات التالية :
أولاً : النصح والإرشاد بالحكمة والموعظة الحسنة لقوله تعالى :﴿ فَعِظُوهُنَّ ﴾.
ثانياً : الهجران بعزل فراشه عن فراشها وترك معاشرتها لقوله تعالى :﴿ واهجروهن فِي المضاجع ﴾.
ثالثاً : الضرب غير المبرح بسواك ونحوه تأديباً لها، لقوله تعالى :﴿ واضربوهن ﴾.
رابعاً : إذا لم تُجْد كل هذه الوسائل فينبغي التحكيم لقوله تعالى :﴿ فابعثوا حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ ﴾.
وأما الضرب فقد وضّحه عليه السلام بقوله :« فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبّرح ».
قال ابن عباس وعطاء : الضرب غير المبّرح بالسواك، وقال قتادة : ضرباً غير شائن.
وقال العلماء : ينبغي أن لا يوالي الضرب في محل واحد وأن يتقي الوجه فإنه يجمع المحاسن، ولا يضربها بسوط ولا عصا، وأن يراعي التخفيف في هذا التأنيب على أبلغ الوجوه.
وقد « سئل عليه السلام : ما حق امرأة أحدنا عليه؟ فقال :» أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبّح، ولا تهجر إلا في البيت « ».


الصفحة التالية
Icon