ومع أن الضرب مباح فقد اتفق العلماء على أن تركه أفضل لقوله عليه السلام :« ولن يضرب خياركم ».
الحكم الثاني : هل هذه العقوبات مشروعة على الترتيب؟
اختلف العلماء في العقوبات الواردة في الآية الكريمة هل هي مشروعة على الترتيب أم لا؟
فقال جماعة من أهل العلم إنها على الترتيب، فالوعظ عند خوف النشوز، والهجر عند ظهور النشوز، ثم الضرب، ولا يباح الضرب عند ابتداء النشوز، وهذا مذهب أحمد، وقال الشافعي : يجوز ضربها في ابتداء النشوز.
ومنشأ الخلاف بين العلماء اختلافهم في فهم الآية، فمن رأى الترتيب قال إن ( الواو ) لا تقتضي الترتيب بل هي لمطلق الجمع، فللزوج أن يقتصر على إحدى العقوبات أياً كانت، وله أن يجمع بينها.
ومن ذهب إلى وجوب الترتيب يرى أن ظاهر اللفظ يدل على الترتيب، والآية وردت على سبيل التدرج من الضعيف إلى القوي ثم إلى الأقوى فإنه تعالى ابتدأ بالوعظ، ثم ترقى منه إلى الهجران، ثم ترقى منه إلى الضرب، وذلك جار مجرى التصريح بوجوب الترتيب، فإذا حصل الغرض بالطريق الأخف وجب الاكتفاء به، ولم يجز الإقدام على الطريق الأشد.
أقول : لعل هذا هو الأرجح لظاهر الآية الكريمة والله أعلم.
قال ابن العربي :( من أحسن ما سمعت في تفسير هذه الآية قول ( سعيد بن جبير ) فقد قال :« يعظها فإن هي قبلت وإلاّ هجرها، فإن هي قبلت وإلاّ ضربها، فإن هي قبلت وإلا بعث حكماً من أهله وحكماً من أهلها، فينظران ممن الضرر وعند ذلك يكون الخلع ).
وروي عن علي كرم الله وجهه ما يؤيد ذلك فإنه قال :»
يعظها بلسانه فإن انتهت فلا سبيل له عليها، فإن أبت هجر مضجعها، فإن أبت ضربها، فإن لم تتعظ بالضرب بعث الحكمين «.
الحكم الثالث : هل يجوز في الحكمين أن يكونا من غير الأقارب؟
ظاهر الآية أنه يشترط في الحكمين أن يكونا من الأقارب لقوله تعالى :﴿ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ ﴾ وأن ذلك على سبيل الوجوب، ولكن العلماء حملوه على وجه الاستحباب، وقالوا : إذا بعث القاضي حكمين من الأجانب جاز، لأن فائدة الحكمين التعرف على أحوال الزوجين وإجراء الصلح بينهما، والشهادة على الظالم منهما، وهذا الغرض يؤديه الأجنبي كما يؤديه القريب، إلا أن الأقارب أعرف بحال الزوجين، طلباً للإصلاح من الأجانب، وأبعد عن التهمة بالميل لأحد الزوجين، لذلك كان الأولى والأوفق أن يكون أحد الحكمين من أهل الزوج والآخر من أهل الزوجة.
قال الألوسي :»
وخُصّ الأهل لأنهم أطلب للصلاح، وأعرف بباطن الحال، وهذا على وجه الاستحباب، وإن نصّبا من الأجانب جاز «.
الحكم الرابع : من المخاطب في الآية الكريمة ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا ﴾.


الصفحة التالية
Icon