والمعنى : يا أيها المؤمنون لا تصلوا في حالة السكر حتى تعلموا ما تقولون وتقرؤون في صلاتكم، ولا تقربوا الصلاة في حال الجنابة إلاّ إذا كنتم مسافرين فإذا اغتسلتم فصلوا. وإن كنتم مرضى ويضركم استعمال الماء، أو مسافرين ولم تجدوا الماء، أو أحدثتم ببول أو غائط حدثاً أصغر، أو غشيتم النساء حدثاً أكبر، ولم تجدوا ماءً تتطهرون به، فاقصدوا صعيداً طيباً من وجه الأرض فتطهروا به، فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ثم صلوا، ذلك رحمة من ربكم وتيسير عليكم، لأن الله يريد بكم اليسر، وكان الله عفواً غفوراً.
سبب النزول
روى الترمذي عن علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه أنه قال :« صنع لنا ( عبد الرحمن بن عوف ) طعاماً فدعانا وسقانا من الخمر، فأخذت الخمر منا، وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت » قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون، ونحن نعبد ما تعبدون « قال، فأنزل الله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصلاوة وَأَنْتُمْ سكارى حتى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ ﴾ قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.
قال الفخر الرازي : فكانوا لا يشربون في أوقات الصلوات، فإذا صلوا العشاء شربوها فلا يصبحون إلاّ وقد ذهب عنهم السكر، ثم نزل تحريمها على الإطلاق في المائدة.
وجوه القراءات
قرأ الجمهور ﴿ أَوْ لامستم النسآء ﴾ وقرأ حمزة والكسائي ( لَمَسْتُم النّسَاءَ ) بغير ألف.
وجوه الإعراب
١ - قوله تعالى :﴿ وَأَنْتُمْ سكارى ﴾ مبتدأ وخبر والجملة حال من ضمير الفاعل في تقربوا.
٢ - قوله تعالى :﴿ فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً ﴾ صعيداً مفعول تيمموا أي قصدوا صعيداً، وقيل منصوب بنزع الخافض أي بصعيد.
٣ - قوله تعالى :﴿ فامسحوا بِوُجُوهِكُمْ ﴾ قال العكبري : الباء زائدة أي امسحوا وجوهكم به.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : ورد التعبير بالنهي عن قربان الصلاة في حالة السكر ﴿ لاَ تَقْرَبُواْ الصلاوة وَأَنْتُمْ سكارى ﴾ والنهي بهذه الصيغة أبلغ من قوله :»
لا تصلوا وأنتم سكارى « فإذا حرم قربان الصلاة ففعلها وأداوها يكون ممنوعاً من باب أولى فهو كقوله تعالى :﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى ﴾ [ الإسراء : ٣٢ ] وقوله :﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [ الأنعام : ١٥٢ ].
قال أبو السعود :»
وتوجيه النهي إلى قربان الصلاة مع أن المراد هو النهي عن إقامتها للمبالغة في ذلك، وقيل : المراد النهي عن قربان المساجد ويأباه قوله تعالى :﴿ حتى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ ﴾.
اللطيفة الثانية : التدرج في تحريم الخمر بهذه الطريقة الحكيمة التي سلكها القرآن الكريم برهان ساطع على عظمة الشريعة الغراء، فإن العرب كانوا يشربون الخمر كما يشرب أحدنا الماء الزلال، فلو حرّمت عليهم دفعة واحدة لثقل عليهم تركها، ولما أمكن اقتلاع جذورها من قلوبهم، وقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها :« أول ما نزل من القرآن من القرآن آيات من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، فلما ثاب الناس للإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول ما نزل لا تشربوا الخمرة لقالوا : لا ندع الخمرة أبداً ».


الصفحة التالية
Icon