الترجيح : ما ذهب إليه ( أبو حنيفة ) رحمه الله من جعل كل قتلٍ بغير الحديد شبه عمد ضعيفٌ، فإن من ضرب رأس إنسان بمثل ( حجر الرحى ) قتله وادّعى أنه ليس عامداً كان مكابراً، والمصلحة تقضي بالقصاص في مثله، لأن الله شرع القصاص صوناً للأرواح عن الإهدار، وما ذهب إليه أبو يوسف ومحمد الشافعي هو الأصح والله أعلم.
الحكم الثالث : ما هي شروط الرقبة وعلى مَن تجب؟
أوجب الله في القتل الخطأ أمرين : ١ - عتق رقبة مؤمنة. ب - ودية مسلّمة إلى أهله.
فأما الرقبة المؤمنة فقد قال ابن عباس والحسن : لا تجزئ الرقبة إلاّ إذا صامت وصلّت.
وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة : يجزئ الغلام والصبي إذا كان أحد أبويه مسلماً.
ونقل عن الإمام أحمد رحمه الله روايتان إحداهما تجزئ، والأخرى لا تجزئ إلا إذا صامت وصلت.
حجة الأولين : أن الله تعالى شرط الإيمان، فلا بدّ من تحققه، والصبي لم يتحقق منه ذلك.
وحجة الجمهور : أن الله تعالى قال :﴿ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً ﴾ فيدخل فيه الصبي، فكذلك يدخل ف قوله ﴿ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ﴾.
قال ابن كثير :« والجمهور أنه متى كان مسلماً صح عتقه عن الكفارة سواءً كان صغيراً أو كبيراً ».
وقد اتفق الفقهاء على أن الرقبة على القاتل، وأما الدية فهي على العاقلة.
الحكم الرابع : على مَن تجب الدية في القتل الخطأ؟
اتفق الفقهاء على أن الدية على عاقلة القاتل، تحملها عنه على طريق المواساة، وتلزم العاقلة في ثلاث سنين، كل سنة ثلثها، والعاقلة هم عصبته ( قرابته من جهة أبيه ).
قال في « المغني » :« ولا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أن دية الخطأ على العاقلة ».
وقال ابن كثير :« وهذه الدية إنما تجب على عاقلة القاتل لا في ماله قال الشافعي : لم أعلم مخالفاً أن رسول الله ﷺ قضى بالدية على العاقلة، وهذا الذي أشار إليه رحمه الله قد ثبت في غير ما حديث، فمن ذلك ما ثبت في » الصحيحين « عن أبي هريرة قال :» اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول الله ﷺ فقضى أن دية جنينها ( غرة ) عبدٌ أو أمة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها «.
تنبيه : فإن قيل : كيف يجني الجاني وتؤخذ عاقلته بجريرته والله تعالى يقول :﴿ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا ﴾ [ الأنعام : ١٦٤ ] ويقول :﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ﴾ [ الأنعام : ١٦٤ ] ؟
فالجواب : أن هذا ليس من باب تحميل الرجل وزر غيره، لأن الدية على القاتل، وتحميل ( العاقلة ) إيّاها من باب المعاونة والمواساة له، وقد كان هذا معروفاً عند العرب وكانوا يعدونه من مكارم الأخلاق، والنبي ﷺ بُعث ليتمم مكارم الأخلاق، والمعاونة والمواساة والتناصر وتحمل المغارم، كل هذا ممّا يقوّي الألفة ويزيد في المحبة فلذلك أقره الإسلام.


الصفحة التالية
Icon